الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

سري ( من كلماتي)


بين الأيادي الممتدة لسلامك.. رفضت يدي أن تصافحك
في بحر العيون التي تلاحقك.. هربت عيوني من لحظة وداعــك
لن تعرف لماذا أبيت مصافحتك, ولماذا لم اردد عبارات الوداع مثل الآخرين.لن تدري كيف قاومت هروب نفسي مني في تلك اللحظة, عندما أرادت أن تلحق بك,أو كيف ضربت بجذور أقدامي في عمق الأرض حتى لا أعدو خلفك.اغتلت على شفتي كلمة تاقت للوصول إليك, وصرخة تمنت أن تسمعها لعلك تعدل عن قرارك, لكنك كنت دائما بمنأى عن نداءاتي.
أمام صورتك المعلقة على جدران عمري استرجع هذه اللحظة التي توقف زماني لديها..
يدك الممدودة نحوي بالسلام, وعيناك أرى فيهما كل الناس دون أن أراني..عيوني المتعلقة بحركة شفاهك..كنت تهمهم بكلام لم أع منه حرفا, كنت غائبة بفكري عن كلامك المكرر لكل المصافحين.فقط أدرك أن يدك تنتظرني كي تنهي وداعك الخاطف وتذهب. وأنا لا أريدك أن تذهب..
تتعجلني وتتعجل الثواني الفاصلة بين حياتي وعدم حياتي, تريد أن تنتهي سريعا لتلحق بركب الرياح الهاجرة واضعا السفر ذاته مسافة بعد بيننا.
أردت لهذه اللحظة أن تطول.. أن تمتد عمرا أمضيه في صحبة عينيك.خفت أن يتبدد عمري مع انسحاب دفء أصابعك من يدي, أن تذهب روحي معك. أن تعترف لك يدي بسري المعذب,و تصرخ أصابعي وهي في أحضان كفك رافضة ذهابك, مطالبة بحقها أن تبقى في اطمئنان يدك. خشيت عند تلامس كفينا في تلك المصافحة أن ارتجف بين يديك.أن ينصهر الجليد الذي يستر كياني المتحرق.. فتتكشف لك أسراري..
لأناملك قوة.. قد لا تعيها أنت لكني اشعر بها مع كل لمسة, ولو غير مقصودة.قوة تخترق صمتي, تعريني من غلالة لامبالاة واهية احتمي فيها. ترميني على شواط الجمر قصيدة شوق احترقت بغير أن تقراها. فداريت خلف الأهداب ممالك حزن مغلقة الأبواب, وأبيت أن تستجديك دموع لم تسفح في حبك علنا.
أغلقت دونك عيوني في لحظتنا الأخيرة, مخافة اقتحامي.أن تنفذ بغير اراداتي تحت سطح أخفى عنك وجدي.. وتسرق مني الحقيقة التي تحفظ لي بعض الكبرياء.أسدلت ستائر الصمت البارد على جحيم مشتعل الجوانب, وتواريت بألمي من طريقك.. تركتك تتناقلك أيدي الآخرين وعيونهم المتهافتة عليك.دوني عشرات تزاحموا حولك مودعين, ووحدي أقف يلفني السكون والحزن..احبس في أسرهما رجائي ودمعي..وهكذا.. وبغير أن تعلم, ذهبت.. حفرت بخطاك مقبرة تمتد بطول الطريق, واريت فيها أجمل أمنياتي وزهرة شبابي ومسراتي التي لم أعشها.. فقط احتفظت لي بالعذاب.دون أن تدري بجرحي أغمدت سيفك فيه, ولم تنه احتضاري, بل بدأته.
ليس أقسى عذاب أن تتألم, وينهش الألم الظالم كل ذرة من كيانك, لكن أقساه أن تتألم وأنت مجبر على الصمت, مأمور بالا تصرخ, أو تعلن عن شقائك.. أن تنظر لجلادك وأنت غير قادر أن تكرهه, أو تردعه عن إذابتك عذاب.
أقسى عذاب.. أن تحب جلادك الذي يسومك الوجع القاسي.. أن تحبه.. وهو لا يعلم, ولا يهتم.أن تحب عذابه لأنه شيء منه.أن يتصارع الحب والكبرياء داخلك في حرب طاحنة , لا تبقي منك شيئا لأيهما لو انتصر.
يا راحلا دون أن تعرف بسري..يا حلمي الذي سافر وعذابي الذي يبقى..
كنت أجمل ما في أيامي .. ولم تكن تعرف,
وستبقى أعذب آلامي.. وأبدا.. لن تعرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق