السبت، 5 يونيو 2010

ماذا هو فاعل الان؟


مقتطفات من كتاب احلام مستغانمي /ذاكرة الجسد

كيف أنت.. يسألني جار ويمضي للصلاة. فيجيبه حال لساني بكلمات مقتضبة، ويمضي في السؤال عنك.
كيف أنا؟
أنا ما فعلته بي سيدتي.. فكيف أنت ياامرأة كساها حنيني جنوناً، وإذا بها تأخذ تدريجياً، ملامح مدينة وتضاريس وطن.
وإذا بي أسكنها في غفلة من الزمن، وكأني أسكن غرف ذاكرتي المغلقة من سنين.
كيف حالك؟
يا شجرة توت تلبس الحداد وراثياً كل موسم. يا قسنطينية الأثواب..
يا قسنطينية الحب.. والأفراح والأحزان والأحباب. أجيبي أين تكونين الآن؟.
__________

فالجوع إلى الحنان، شعور مخيف وموجع، يظل ينخر فيك من الداخل ويلازمك حتى يأتي عليك بطريقة أو بأخرى.
__________

كانت تلك أول مرة سمعت فيها اسمكِ.. سمعته وأنا في لحظة نزيف بين الموت والحياة، فتعلقت في غيبوبتي بحروفه، كما يتعلق محموم في لحظة هذيان بكلمة..
كما يتعلق رسول بوصية يخاف أن تضيع منه.. كما يتعلق غريب بحبال الحلم.
بين ألف الألم وميم المتعة كان اسمك. تشطره حاء الحرقة.. ولام التحذير.
__________

قصة فرعية، كتبت مسبقاً وحولت مسار حياتي بعد عمر بأكمله، بحكم شيء قد يكون اسمه القدر، وقد يكون العشق الجنوني..
ذاك الذي يفاجئنا من حيث لا نتوقع، متجاهلاً كل مبادئنا وقيمنا السابقة.
والذي يأتي هكذا متأخراً.. في تلك اللحظة التي لا نعود ننتظر فيها شيئاً؛ وإذا به يقلب فينا كل شيء.
__________

لست من الحماقة لأقول إنني أحببتك من النظرة الأولى. يمكنني أن أقول إنني أحببتك، ما قبل النظرة الأولى.
كان فيك شيء ما أعرفه. شيء ما يشدني إلى ملامحك المحببة إلي مسبقاً، وكأنني أحببت يوماً امرأة تشبهك. أو كأنني كنت مستعداً منذ الأزل لأحب امرأة تشبهك تماماً.
__________

الفن هو كل ما يهزنا.. وليس بالضرورة كل ما نفهمه!
__________

وحده المثقف يعيد النظر في نفسه كل يوم، ويعيد النظر في علاقته مع العالم ومع الأشياء كلما تغير شيء في حياته.
__________

كان في عينيك دعوة لشيء ما..
كان فيهما وعد غامض بقصة ما..
كان فيهما شيء من الغرق اللذيذ المحبب.. وربما نظرة اعتذار مسبقة عن كل ما سيحل بي من كوارث بعد ذلك بسببهما.
__________

فلا أجمل من أن تلتقي بضدك، فذلك وحده قادر على أن يجعلك تكتشف نفسك.
__________

كانت تقول: "ينبغي ألا نقتل علاقتنا بالعادة"، ولهذا أجهدت نفسي حتى لا أتعود عليها، وأن اكتفي بأن أكون سعيداً عندما تأتي، وأن أنسى أنها مرت من هنا عندما ترحل.
__________

كنت تتقدمين نحوي، وكان الزمن يتوقف انبهاراً بك.
وكأن الحب الذي تجاهلني كثيراً قبل ذلك اليوم.. قد قرر أخيراً أن يهبني أكثر قصصه جنوناً..
__________

أخاف السعادة عندما تصبح إقامة جبرية. هنالك سجون لم تخلق للشعراء.
__________

أكره أن يحولني مجرد كرسي أجلس عليه إلى شخص آخر لا يشبهني.
__________

كيف يمكن لإنسان يائس فارغ، وغارق في مشكلات يومية تافهة، ذي عقلية متخلفة عن العالم بعشرات السنين، أن يبني وطناً، أو يقوم بأي ثورة صناعية أو زراعية، أو أي ثورة أخرى؟
__________

ولكن الدوار هو العشق، هو الوقوف على حافة السقوط الذي لا يقاوم، هو التفرج على العالم من نقطة شاهقة للخوف، هو شحنة من الانفعالات والأحاسيس المتناقضة، التي تجذبك للأسفل والأعلى في وقت واحد، لأن السقوط دائماً أسهل من الوقوف على قدمين خائفتين! أن أرسم لك جسراً شامخاً كهذا، يعني أني أعترف لك أنك دواري..
__________

نحن لا نشفى من ذاكرتنا.. ولهذا نحن نرسم.. ولهذا نحن نكتب.. ولهذا يموت بعضنا أيضاً.
__________

جاء عيد الحب إذن..
فيا عيدي وفجيعتي، وحبي وكراهيتي، ونسياني وذاكرتي، كل عيد وأنت كل هذا..
للحب عيد إذن.. يحتفل به المحبون والعشاق، ويتبادلون فيه البطاقات والأشواق، فأين عيد النسيان سيدتي؟
__________

نغادر الوطن، محملين بحقائب نحشر فيها ما في خزائننا من عمر. ما في أدراجنا من أوراق..
نحشر ألبوم صورنا، كتباً أحببناها، وهدايا لها ذكرى..
نحشر وجوه من أحببنا.. عيون من أحبونا.. رسائل كتبت لنا.. وأخرى كنا كتبناها..
آخر نظرة لجارة عجوز قد لا نراها، قبلة على خد صغير سيكبر بعدنا، دمعة على وطن قد لا نعود إليه.
نحمل الوطن أثاثاً لغربتنا، ننسى عندما يضعها الوطن عند بابه، عندما يغلق قلبه في وجهنا، دون أن يلقي نظرة على حقائبنا، دون أن يستوقفه دمعنا.. ننسى أن نسأله من سيؤثثه بعدنا.
وعندما نعود إليه.. نعود بحقائب الحنين.. وحفنة أحلام فقط..
__________

تشرع مضيفة باب الطائرة، ولا تنتبه إلى أنها تشرع معه القلب على مصراعيه. فمن يوقف نزيف الذاكرة الآن؟
من سيقدر على إغلاق شباك الحنين، من سيقف في وجه الرياح المضادة، ليرفع الخمار عن وجه هذه المدينة.. وينظر إلى عينها دون بكاء.
__________

كانت الإشارات المكتوبة بالعربية، وبعض الصور الرسمية، وكل تلك الوجوه المتشابهة السمراء، تؤكد لي أنني أخيراً أقف وجهاً لوجه مع الوطن. وتشعرني بغربة من نوع آخر تنفرد بها المطارات العربية.
__________

هذه المدينة الوطن، التي تدخل المخبرين وأصحاب الأكتاف العريضة والأيدي القذرة من أبوابها الشرفية.. وتدخلني مع طوابير الغرباء وتجار الشنطة.. والبؤساء.
أتعرفني.. هي التي تتأمل جوازي بإمعان.. وتنسى أن تتأملني؟
__________

ها هو الوطن الذي استبدلته بأمي يوماً. كنت أعتقد أنه وحده قادر على شفائي من عقدة الطفولة، من يتمي ومن ذلي.
اليوم.. بعد كل هذا العمر، وبعد أكثر من صدمة وأكثر من جرح، أدري أن هناك يتم الأوطان أيضاً. هناك مذلة الأوطان، ظلمها وقسوتها، هناك جبروتها وأنانيتها.
هناك أوطان لا أمومة لها.. أوطان شبيهة بالآباء.
__________

هذه هي قسنطينة..
مدينة لا يهمها غير نظرة الآخرين لها، تحرص على صيتها خوفاً من القيل والقال الذي تمارسه بتفوق. وتشتري شرفها بالدم تارة.. والبعد والهجرة تارة أخرى.
__________

نحن متعبون. أهلكتنا هموم الحياة اليومية المعقدة التي تحتاج دائماً إلى وساطة لحل تفاصيلها العادية. فكيف تريد أن نفكر في أشياء أخرى، عن أي حياة ثقافية تتحدث؟ نحن همنا الحياة لاغير.. وما عدا هذا ترف. لقد تحولنا إلى أمة من النمل، تبحث عن قوتها وجحر تختبئ فيه مع أولادها لا أكثر..
__________

أمام كل القنصليات الأجنبية تقف طوابير موتانا، تطالب بتأشيرة حياة خارج الوطن.
دار التاريخ وانقلبت الأدوار. أصبحت فرنسا هي التي ترفضنا، وأصبح الحصول على "فيزا" إليها ولو لأيام.. هو "المحال من الطلب"!
لم نمت ظلماً.. متنا قهراً. فوحدها الإهانات تقتل الشعوب.
__________

لو تدري لذة أن تمشي في شارع مرفوع الرأس، أن تقابل أي شخص بسيط أو هام جداً، دون أن تشعر بالخجل.
__________