السبت، 29 أغسطس 2009

تأخذينَ في حقائبكِ الوقتَ وتسافرين _نزار قباني



1
أيتها المرأة التي كانت في سالف الزمان حبيبتي.
سألتُ عن فندقي القديمْ..
وعن الكشْكِ الذي كنتُ أشتري منه جرائدي
وأوراقَ اليانصيب التي لا تربحْ..
لم أجد الفندقَ.. ولا الكشْكْ..
وعلمتُ أن الجرائدْ..
توقّفتْ عن الصدور بعد رحيلكْ..
كان واضحاً أن المدينة قد انتقلتْ..
والأرصفةَ قد انتقلتْ..
والشمسَ قد غيَّرتْ رقم صندوقها البريديّْ
والنجومَ التي كنّا نستأجرُها في موسم الصيفْ
أصبحتْ برسم التسليمْ...
كان واضحاً.. أن الأشجارَ غيَّرتْ عناوينَها..
والعصافيرَ أخذت أولادها..
ومجموعةَ الأسطوانات الكلاسيكيّةِ التي تحتفظ بها.
وهاجرتْ..
والبحرَ رمى نفسه في البحر.. وماتْ..
2
بحثاً عن مظلّةٍ تقيني من الماءْ..
وأسماءُ الأندية الليليّة التي راقصتُكِ فيها..
ولكنَّ شرطيَّ السَيْر، سَخِر من بَلاهتي
وأخبرني... أن المدينةَ التي أبحثُ عنها..
قد ابتلعَها البحرُ..
في القرن العاشر قبل الميلادْ...
3
ذهبتُ إلى المحطّات التي كنتُ أستقبلكِ فيها...
وإلى المحطّات.. التي كنت أودّعكِ منها..
المخصّصةِ للنومْ...
عشراتٍ من سلال الأزهارْ..
ولافتةً مطبوعةً بكل اللغاتْ:
"الرجاء عدم الإزعاج"..
وفمهتُ أنكِ مسافرةٌ.. بصحبة رجل آخرْ..
قدَّم لكِ البيتَ الشرعيّْ
والجنسَ الشرعيّْ
والموتَ الشرعيّْ...
4
أيتها المرأةُ التي كانت في سالف الزمان حبيبتي
لماذا تضعين الوقتَ في حقائبكِ..
وتسافرينْْ.؟
لماذا تأخذينَ معكِ أسماءَ أيام الأسبوعْ؟
وكرويّةَ الأرضْ..
كما لا تستوعب السمكةُ خروجها من الماءْ..
أنتِ مسافرةٌ في دمي..
وليس من السهل أن أستبدل دمي بدمٍ آخرْ..
ففصيلةُ دمي نادرةْ..
كالطيور النادرة..
والنباتات النادرةْ..
والمخطوطات النادرةْ..
وأنتِ المرأةُ الوحيدةُ ..
التي يمكنُ أن تتبرَّع لي بدمها...
ولكنكِ دخلتِ عليَّ كسائحهْ..
وخرجتِ من عندي كسائحهْ...
كانت كلماتُكِ الباردة..
تتطايرُ كفتافيت الورق..
وكانت عواطفكِ..
كاللؤلؤ الصناعيِّ المستوردة من اليابانْ...
وكانت بيروت التي اكتشفتها معكِ..
وأدمنتُها معكِ..
وعشتُها بالطول والعرض .. معكِ..
ترمي نفسَها من الطابق العاشر..
وتنكسرُ .. ألفَ قطعهْ...
5
توقَّفي عن النمو في داخلي..
أيّتها المرأة..
التي تتناسلُ تحت جلدي كغابهْ...
ساعديني.. على كسر العادات الصغيرة التي كوَّنتُها معك..
وعلى اقتلاع رائحتك..
من قماش الستائرْ..
وبللورِ المزهريّاتْ..
على تَذَكُّر اسمي الذي كانوا ينادونني به في المدرسهْ..
ساعديني..
على تَذَكّرِِ أشكال قصائدي..
قبل أن تأخذَ شكلَ جسدِكْ..
ساعديني..
على استعادةِ لُغَتي..
التي فَصَّلتُ مفرداتِها عليكِ..
ولم تعد صالحةً لسواكِ من النساءْ...
6
دُلّيني..
على كتابٍ واحدٍ لم يكتبوكِ فيهْ..
وعلى عصفورٍ واحدٍ..
لم تعلّمهُ أُمُّهُ تهجيةَ اسمكِ..
وعلى شجرةٍ واحدةٍ..
لا تعتبركِ من بين أوراقِها..
وعلى جدولٍ واحدٍ..
لم يلْحَسِ السُكَّرَ عن أصابع قَدَميْكِ..
ماذا فعلتِ بنفسكِ؟..
التي كانتْ تتحكَّمُ بحركة الريحْ..
وسُقُوطِ المطرْْ..
وطُولِ سنابل القمْحْ..
وعددِ أزهار المارغريت..
أيَّتُها المَلِكةُ...
التي كان نهداها يصنعان الطقسْ..
ويسيطرانِ ..
على حركةِ المدّ والجزْْرْ..
لتتزوّدَ بالعاج.. والنبيذْ..
ماذا فعلتِ بنفسكِ..
أيَّتُها السيّدةُ التي وقع منها صوتُها على الأرض..
فأصبحَ شَجَرهْ..
وَوَقَعَ ظلُّها على جَسَدي..
فأصبحَ نافورةَ ماءْ..
لماذا هاجرتِ من صدري؟..
وصرتِ بلا وطنْ..
لماذا خرجتِ من زَمَنِ الشِّعْْر؟
واخترتِ الزمنَ الضَيّقْ..
لماذا كسرتِ زجاجةَ الحبرِ الأخضرْ..
التي كنتُ أرسمُكِ بها..
وصرتِ امرأة..
بالأبيض..
والأسودْ..
أيَّتُها السيّدةُ التي وقع منها صوتُها على الأرض..
فأصبحَ شَجَرهْ..
وَوَقَعَ ظلُّها على جَسَدي..
فأصبحَ نافورةَ ماءْ..
لماذا هاجرتِ من صدري؟..
وصرتِ بلا وطنْ..
لماذا خرجتِ من زَمَنِ الشِّعْْر؟
واخترتِ الزمنَ الضَيّقْ..
لماذا كسرتِ زجاجةَ الحبرِ الأخضرْ..
التي كنتُ أرسمُكِ بها..
وصرتِ امرأة..
بالأبيض..
والأسودْ..

افتراضاتٌ رماديّة _نزار قباني


1
صَعْبٌ عليَّ كثيراً.
أن أتصوَّرَ عالماً لا تكُونينَ فيهْ.
صَعْبٌ عليَّ أن أتصوَّرْ
بحراً لا يلبسُ قُبَّعتهُ الزرقاءْ..
أو قَمَراً لا يستحِمُّ برَغْوَة الحليبْ..
أو نجمَةً لا تلبسُ أساورَها..
أو بَجَعَةً، لا تحترفُ رقْصَ ( الباليهْ)..
2
أن تدورَ الكواكبُ،
وأن ترتفعَ السنابلْ،
وتتكاثرَ الأسماكْ،
وتُثرثرَ الضفادعُ النهريَّةْ،
وتُغنّيَ صراصيرُ الغابةْ،
وتستديرَ أكوازُ الصُنَوبَرْ،
وتشتعلَ أشجارُ الكَرَزْ،
دون إشارةٍ منكْ.
صَعْبٌ جداً...
أن يكونَ هناكَ فصولٌ أربعةْ..
إذا لم تقرأي عليها مزاميرَكِ..
3
صَعْبٌ جداً...
أن تنجحَ ثورةٌ،
أو يَشْتَهِرَ رَجُلٌ
أو تطيرَ حَمَامَةٌ
دون إرادة نَهْدَيْكِ..
صَعْبٌ جداً...
أن يسقُطَ مَطَرٌ
خارجَ أقاليمكْ..
ويصيحَ ديكٌ، لا يقفُ كالمَلِكْ
على بياض رُكْبَتَيْكِ...
4
صَعْبٌ عليْ.
صَعْبٌ عليَّ كثيراً.
أن أتصوَّرَ تاريخاً، لا يُؤرِّخُكِ..
وكتابةً لا تكتُبُكِ..
وقصيدةً، لا تُشكّلينَ إيقاعها الرئيسيّْ
لا تشربُ من ينابيعكْ..
أو عَمَلاً تشكيليّاً لا يَسْتَلْهِمُكِ
أو منحوتةً من البرونز، أو الحَجَرْ
لا تكون على مقياس جَسَدِكْ..
5
صَعْبٌ عليّْ.
صَعْبٌ عليَّ كثيراً.
أن أتصوّرَ بُلْبُلاً..
لا يدخُلُ إلى الكونسرفاتوارْ..
أو فراشةً..
لا تدخُلُ أكاديميةَ الفنون الجميلهْ
أو وردةً لا تشتركُ
6
صَعْبٌ عليّْ.
صَعْبٌ عليَّ كثيراً..
أن أتصوَّرَ نهْداً..
لا يُنقِّطُ ذهباً..
وامرأةً.. لا تُنقِّطُ أنوثَةْ..
وعُيُوناً لا تُمْطِرُ كحْلاً..
وقصيدةً لا تُمطِرُ موسيقى..
7
صَعْبٌ عليَّ كثيراً..
أو مكاناً لا تملأينَ أبعادَهْ..
صَعْبٌ عليَّ أن أتصوَّرَ مقهى،
لا يحملُ رائحتكِ..
وشاطئاً رَمْليّاً
لا يحملُ آثارَ أقدامِكْ.
8
صَعْبٌ عليّْ.
أن أتصوَّرَ
وكيف يتشكَّلُ قَوْسُ قُزَحْ..
ولا تكونينَ معهْ..
وكيف يُشرقُ الشروقُ، ولا تكونينَ معهْ..
وكيف يغربُ الغروبُ، ولا تكونينَ معهْ..
وكيفَ تُعلنُ الحمائمُ زفافَها على شبابيكِنا..
ولا تكونينَ معي...
9
صَعْبٌ..
لا تكونينَ وراءَها..
لم تشتركي في كتابتِهْ..
وصعبٌ، أن تتفوّقَ عاشقةٌ على نَفْسِهَا
لم تتلمَذْ على يَدَيْكِ...
10
صَعْبٌ..
أن يجلسَ رجلٌ وامرأةٌ على طاولة
ولا تتدخَّلينَ في صياغة حوارِهِمَا
وأن يتبادلا قُبْلةً طويلَهْ
لا تتدخَّلينَ في توقيتِها..
11
أن يَقْبَلَ عُمَّالُ النسيجِ
أن يصنعوا قميصاً من الحريرْ
إلاَّ لكِسْوَة نَهْدَيْكِ..
12
صَعْبٌ..
أن يكونَ في العالم عِطْرٌ
لا يُستقْطَرُ من أزهارِكْ
وأن يكونَ هناكَ نبيذٌ
13
أن يكتشفَ علماءُ الآثارْ
أبجَديَّةً..
ليس فيها حُرُوفُ اسْمِكْ...
14
صَعْبٌ..
أن يجدَ جسداً نموذجياً للنَحتْ
15
صَعْبٌ عليَّ أن أتصوَّرْ..
ماذا تفعلُ الشهورُ والأعوامُ.. بدونكْ
وماذا تفعلُ أيامُ الآحادِ.. بدونكْ
وماذا تفعلُ مقاعدُ الحدائقْ..
وأكشاكُ بيع الجرائدْ
بدونِكْ..
صعبٌ عليَّ أن أتصوَّرْ..
ماذا تفعلُ يدايَ ... بدونِكْ..
16
صَعْبٌ عليَّ - يا سيدتي-
أن أتصوَّرَ شَكلَ الشِعْرِ،
وشَكْلَ الحُريَّةِ..
بدونكْ...
أبجَديَّةً..
ليس فيها حُرُوفُ اسْمِكْ...
14
صَعْبٌ..
على ميكيل أنجلو
أن يجدَ جسداً نموذجياً للنَحتْ
أكْمَلَ من جَسَدِكْ...
15
صَعْبٌ عليَّ أن أتصوَّرْ..
ماذا تفعلُ الشهورُ والأعوامُ.. بدونكْ
وماذا تفعلُ أيامُ الآحادِ.. بدونكْ
وماذا تفعلُ مقاعدُ الحدائقْ..
والمكتباتُ..
وأكشاكُ بيع الجرائدْ
ومقاهي الرصيفْ..
بدونِكْ..
صعبٌ عليَّ أن أتصوَّرْ..
ماذا تفعلُ يدايَ ... بدونِكْ..
16
صَعْبٌ عليَّ - يا سيدتي-
صَعْبٌ جداً..
أن أتصوَّرَ شَكلَ الشِعْرِ،
بدونِكْ..
وشَكْلَ الحُريَّةِ..
بدونكْ...

الأربعاء، 26 أغسطس 2009

وصايا إلى امرأة عاقلة _نزار قباني


1
أُوصيكِ بجنوني خيراً..
فهو الذي يمنحُ نَهْدَكِ
شَكْلَهُ الدائريّْ
ويومَ، ينحسرُ نَهْرُ جُنُوني
سيصبحُ نَهْدُكِ مُكعَّباً..
مثلَ صندوق البَريدْ...
2
أوصيكِ بجُنوني خيراً..
فهو الذي يغسلكِ
بالماء.. والعُشْبِ.. والأزهارْ
ويومَ أرْفَعُ عنكِ يَدَ جُنُوني
ستتحوَّلينَ،
إلى امرأةٍ من خَشَبْ...
3
أُوصيكِ بجنوني خيراً..
فطالما أنا عُصَابيٌّ..
ومكتئبٌ..
ومُتَوتّرُ الأعصابْ
فأنتِ جميلةٌ جداً..
وحين تزولُ أعراضُ جنوني
ستدخلينَ في الشَيخُوخَهْ....
4
أوصيكِ بجنوني خيراً..
فهو رصيدُكِ الجَمَاليّْ
وثروتُكِ الكُبرى
ويومَ أسحبُ منكِ
كفالةَ جُنوني..
سيُشهِرُونَ إفْلاسَكِ..
5
أوصيكِ بجنوني خيراً..
فهو التاجُ الذي به تحكمينَ العالمْ
ويومَ تغيبُ شمسُ جُنُوني
سيسقُطُ تاجُكِ
ويُجرّدك الشعبُ من جميع سُلُطَاتِكْ..

الغابةُ السوداء_نزار قباني


عَيْناكِ..
مَجْهُولانِ نائمانِ في عباءة المجْهولْ.
وغابةٌ مُقْفَلةٌ..
لا أحدٌ يعرفُ ما يحدثُ في داخِلِها،
فبعضُهمْ،
يقولُ فيها أُممٌ مَنْسِيَّةٌ
وبعضُهُمْ،
يقولُ في أعماقِها، جِنِّيَةٌ
وبعضُهُمْ، يقولُ فيها غُولْ...
لا أحَدٌ..
يعرفُ ما يحدثُ في الغابة من عجائبٍ
لا أحدٌ يجرؤُ أن يَقُولْ.
فالليلُ فيها ضائعٌ
والذئبُ فيها جائعٌ
والرَجُلُ الأبيضُ، فوقَ رُمْحِهِ، مقتولْ...

شُمُوس_نزار قباني


تذهبُ المرأةُ السويديَّةُ
إلى البحرْ..
لتصبغَ جلدَها كالنساء الإفريقيَّاتْ...
من الذي يستطيعُ أن يُقْنعَها
أن صِبَاغَ الجِلدْ
مختلفٌ عن صباغ الأعماقْ
وأنَّ أشعَّةَ الشمس وحْدَها،
لا تَصْنَعُ امرأةْ....

المعطف_نزار قباني


عندما تقرّرينَ
أن تذْهبي مع رجُلٍ آخرْ
لا تنسَيْ أن تأخذي معكِ
مِعْطفَ المَطَرْ.
فالجوُّ مُتَثَلِّبْ...
والرياحُ باردَه..
وأخشى، أن ينسى صديقُكِ الجديدْ
أن يضَعَكِ في جيب معطفِهِ ..
كما كنتُ أَفْعَلْ.....

أحاولُ إنقاذَ آخِرِ أُنْثَى قُبَيْلَ وُصُول التتارْ. _نزار قباني

1
أَعُدُّ فناجينَ قهوتِنَا الفارغاتِ،
وأمضَغُ..
آخرَ كَسْرَةِ شِعْرٍ لديَّ
وأضربُ جُمْجُمَتي بالجدارْ..
أعُدُّكِ.. جُزءاً فجزءاً..
قُبيلَ انسحابكِ منّي، وقَبْلَ رحيلِ القطارْ.
أعُدُّ.. أناملكِ الناحلاتِ،
أعدُّ الخواتمَ فيها..
أعدُّ شوارعَ نَهْدَيكِ بيتاً فبيتاً..
أعُدُّ الأرانبَ تحت غِطاءِ السريرِ..
أعدُّ ضلوعَكِ، قبلَ العِناقِ.. وبعدَ العناقِ..
أعُدُّ مسَاَمات جِلْدِكِ.. قبل دُخُولي، وبعد خُرُوجي
وقبلَ انتحاري .
وبَعدَ انتحاري .
2
أعُدُّ أصابعَ رِجْلَيكِ..
كي أتأكَّدَ أن الحريرَ بخيرٍ..
وأنَّ الحليبَ بخيرٍ..
وأنَّ بيانُو (مُوزارْتٍ) بخيرٍ..
وأنَّ الحَمَام الدمشقيَّ..
مازالَ يلعبُ في صحن داري.
أعُدُّ تفاصيلَ جِسمِكِ..
شِبراً.. فشِبرا..
وبَرَّاً.. وبَحْرا..
وساقاً.. وخَصْرا..
ووجهاً.. وظهرا..
أعُدُّ العصافيرَ..
تسرُقُ من بين نَهْدَيْكِ..
قمْحاً، وزهْرَا..
أعُدُّ القصيدةَ، بيتاً فبيْتاً
قُبيْلَ انفجار اللُّغاتِ،
وقبلَ انفجاري.
أحاولُ أن أتعلَقَ في حَلْمَة الثدْيَ،
قبل سُقوط السَمَاء عليَّ،
وقبل سُقُوط السِتَارِ.
أُحاولُ إنقاذَ آخرِ نهْدٍ جميلٍ
وآخرِ أُنثى..
قُبيلَ وُصُولِ التَتَارِ..
4
أقيس مساحةَ خَصْركِ
قبل سُقُوط القذيفةِ فوق زجاج حُرُوفي
وقبلَ انْشِطاري.
أقيسُ مساحةَ عِشقي، فأفشلُ
كيفَ بوسع شراعٍ صغيرٍ
كقلبي،
اجتيازَ أعالي البِحَارِ؟
أقيسُ الذي لا يُقاسُ
فيا امرأةً من فضاء النُبُوءَاتِ،
هل تقبلينَ اعتذراي؟
5
أعُدُّ قناني عُطُوركِ فوق الرُفُوفِ
فتجتاحُني نَوْْبةٌ من دُوارِ..
وأُحصِي فساتينكِ الرائعاتِ،
فأدخُلُ في غابةٍ
من نُحاسٍ ونارِ..
سَنَابلُ شَعرِكِ تُشْبِهُ أبعادَ حُريتي
وألوانُ عَيْنَيْكِ،
فيها انْفِتَاحُ البَرَاري.
6
أيا امرأةً .. لا أزالُ أعدُّ يديها
وأُخطئُ..
بينَ شُرُوق اليدينِ.. وبينَ شُرُوق النَهَارِ.
أيا ليتَني ألتقيكِ لخَمْسِ دقائقَ
بين انْهِياري.. وبينَ انْهِياري.
هي الحَرْبُ.. تَمْضَغُ لحمي ولَحْمَكِ...
ماذا أقولُ؟
وأيُّ كلامٍ يليقُ بهذا الدَمَارِ؟
أخافُ عليكِ. ولستُ أخافُ عليَّ
فأنتِ جُنُوني الأخيرُ..
وأنتِ احتراقي الأخيرُ..
وأنتِ ضريحي.. وأنتِ مَزَاري..
7
أعُدُّكِ..
بدءاً من القُرْطِ، حتَّى السِّوارِ..
ومن منبع النَهْرِ.. حتى خليجِ المَحَارِ..
أعدُّ فناجينَ شهوتنا
ثم أبدأُ في عَدِّها من جديدٍ.
لعلّي نسيتُ الحسابَ قليلاً
لعلّي نسيتُ الحسابَ كثيراً
ولكنني ما نسيتُ السلامَ
على شجر الخَوْخ في شفتيكِ
ورائحةِ الوردِ، والجلَّنارِ.
8
أُحبُّكِ..
يا امرأةً لا تزال معي، في زمان الحصارِ
أُحبُّكِ..
يا امرأةً لا تزالُ تقدِّمُ لي فَمَها وردةً
في زمانِ الغُبَارِ.
أحبُّكِ حتى التقمُّصِ، حتى التوحُّدِ،
حتى فَنَائيَ فيكِ، وحتى اندثاري.
أُحِبُّكِ..
لا بُدَّ لي أن أقولَ قليلاً من الشّعرِ
قبلَ قرارِ انتحاري.
أُحبُّكِ..
لا بُدَّ لي أن أحرِّرَ آخرَ أُنثى
قُبيلَ وصول التَتَارِ..

عَوَاصِفُنا الجميلة_نزار قباني


لنا مزاجيَّةُ البحرَ
وجُنونُهُ.. وتحوُلاتُهْ
ولنا أيضاً.. مُرَاهقَةُ الزَبَدْ..
وحَمَاقَةُ الأمواجْ..
نقاتِلُ بعضَنا بعضاً
ونكسِرُ بعضنا بعضاً
وعندما تهدأ العاصفَةْ
نَتَدَحْرَجُ على الرملْ
كطفلينِ في عطلتهما المدرسيَّةْ
....

أسائِلُ دائماً نفسي_نزار قباني

اليوميات
مثل أشعة الفجرِ ..
ومثلَ الماء في النهرِ ..
ومثل الغيم ، والأمطارِ ،
والأعشابِ والزهرِ ..
أليسَ الحبُّ للإنسانَ
عُمراً داخلَ العُمرِ ؟..
لماذا لا يكون الحبُّ في بلدي ؟
طبيعياً ..
كأيةِ زهرةٍ بيضاء ..
طالعة من الصخر..
طبيعياً ..
كلُقْيا الثغرِ بالثغرِ ..
ومنساباً
كما شَعْري على ظَهْري ...
لماذا لا يحبُّ الناسُ .. في لينٍ وفي يُسْرِ ؟
كما الأسماكُ في البحرِ ..
كما الأقمارُ في أفلاكها تجري..
لماذا لا يكون الحبُّ في بلدي ؟
ضرورياً ..
كديوانٍ من الشعرِ ....
لماذا لا يكون الحبُّ في بلدي ؟
ضرورياً ..
كديوانٍ من الشعرِ ....
لماذا لا يكون الحبُّ في بلدي ؟
ضرورياً ..
كديوانٍ من الشعرِ ....

نزلتُ إلى حديقتنا .._نزار قباني


اليوميات
(14)
نزلتُ إلى حديقتنا ..
أزورُ ربيعَها الراجعْ
عجنتُ ترابَها بيدي
حضنتُ حشيشَها الطالعْ ..
رأيت شجيرةَ الدراقِ
تلبس ثوبها الفاقعْ
رأيت الطير محتفلاً
بعودة طيره الساجعْ
رأيتُ المقعدَ الخشبيَّ
مثلَ الناسك الراكعْ
سقطتُ عليه باكيةً
كأني مركبٌ ضائعْ ...
أحتّى الأرض يا ربي ؟
تُعبِّر عن مشاعرها
بشكلٍ بارعٍ .. بارعْ
أحتى الأرضُ يا ربّي ؟
لها يومٌ .. تحبُ به ..
تبوحُ به..
تضمُّ حبيبَها الراجِعْ
رُفوفُ العشبْ من حولي ..
لها سببٌ .. لها دافعْ
فليس الزنبقُ الفارغْ
وليس الحقلُ ، ليس النحلُ ،
ليس الجدولُ النابعْ
سوى كلماتِ هذي الأرض ..
غيرَ حديثها الرائعْ ...
أُحسُّ بداخلي بعثاً
يُمزّقُ قشرتي عنّي
ويسقي جذريَ الجائعْ
ويدفعني لأن أعدو..
مع الأطفال في الشارعْ
أريدُ ..
أريدُ أن أعطي
كأية زهرةٍ في الروض
تفتح جفنَها الدامعْ
كأيّة نحلةٍ في الحقل
تمنحُ شهدَها النافع
أريدُ ..
أريدُ أن أحيا
بكل خليَّةٍ مني
مفاتنَ هذه الدنيا ..
بمُخْمل ليلها الواسعْ
وبَرْدِ شتائها اللاذعْ
أريدُ ..
أريدُ أن أحيا ..
بكل حرارة الواقعْ
بكل حماقة الواقعْ ...

أحبُّ طيورَ تشرينِ _نزار قباني


اليوميات
أحبُّ أضيعُ مثل طيور تشرينِ ..
بينَ الحينِ والحينِ ...
أريدُ البحثَ عن وطنٍ ..
جديدٍ .. غير مسكونِ
وربٍ لا يطاردني .
وأرضٍ لا تُعاديني
أريدُ أفرُّ من جِلْدي ..
ومن صوتي ..
ومن لغتي
وأشردُ مثلَ رائحة البساتينِ
أريدُ أفرُّ من ظلَّي
وأهربُ من عناويني..
أريد أفرُّ من شرق الخرافة والثعابينِ ..
من الخلفاء ..
والأمراء ..
من كل السلاطين ..
أريد أحبُّ مثل طيور تشرينِ ..
أيا شرقَ المشانقِ والسكاكينِ ...
والأمراء ..
من كل السلاطين ..
أريد أحبُّ مثل طيور تشرينِ ..
أيا شرقَ المشانقِ والسكاكينِ ...
والأمراء ..
من كل السلاطين ..
أريد أحبُّ مثل طيور تشرينِ ..
أيا شرقَ المشانقِ والسكاكينِ ...

عاشقة في متاهة الورقة _غادة السمان

من الحبر تعلّمت حبك..
قطرة واحدة تركض طويلاً على البياض..
من العود تعلّمت حبك،
صرت وتراً وتركت عاصفتك تعزفني...
من النوارس تعلّمت حبك،
تعيد كتابة الأفق بأجنحة الرحيل خلف الضوء..
من الأطفال والمجانين تعلّمت حبك،
اللغة مرآة القلب في عريه المطلق..
من النملة تعلّمت حبك،
حبة قمح أسطورية حتى الرمق الأخير، تلاحقها..
من العصفور الدوري تعلّمت حبك،
سعيدة بشجرتك..
وسعيدة بشهية التحليق: لست عصفوراً في اليد!...
***
ها هي حروفي تجنّ..
داخل أقفاص الواقع اليومي،
المتورم تفاهة وصدأ تحت ذباب الثرثرة..
ها هي حروفي تجنّ،
وتضرب رأسها بالقضبان حتى النزف..
آه كيف أروّض روحي الأثيرية،
في أبدية الخمول؟ وأسدّ مساماتي العاشقة،
بالغبار المتراكم على الوجوه حولي.. والشفاه..
كيف أعلّم شهيقي وزفيري الرتابة والطاعة،
وحرفة الانتماء إلى الأطلال، بدل الأفق؟
آه كيف تستقر أعماقي القلقة كالزئبق،
في أوعية الركود المتسنقعية
لدورة دموية، لم تدرْ منذ عصور؟..
... وكيف أحيا إذا لم أحبك،
وأشاركك سرقة النار وحب الأٍسرار؟...
***
ما الذي تفعله ذاكراك لتصير لؤلؤة سوداء
تتدلى من عنقي إلى الأبد؟
ما الذي يفعله البجع..
راكضاً بالحبر الأبيض على جناحيه،
فوق دفتر الغابات والضباب،
وأنا أهرول في قارّات ليست لي..
وأنادي حبيباً ليس لي؟
وما الذي أفعله بجثث الحروف،
إذا لم أحبك؟ كيف تدبّ الروح
في اللغة، وأشتعل بالحب المستحيل
لملايين نساء وطني الصامتات، مقطوعات الحناجر؟
وكيف أطلق سراح صرختهن،
إذا لم أختر حبك وأعيشه وأموته..
وأسبّحه داخل محبرتي هائمة على وجهك،
وجهك اللامنسي ، بحثاً عن وجهي الحقيقي؟..
***
... يظل القلم يقتحم يدي عنوة
ويجرّها إلى متاهة الورقة، لأكتبك وأتنهدك
وأعيد السلالم المعدنية المتحركة للزمن إلى الوراء
وأرسمك داخل تلك اللحظة اللامنسية،
وأنت تهمس لي: "أحبك"..
تقولها خلسة عن نفسك، وبحدّة
مثل طعنة خنجر سريعة في الظلام..
وجسدك قارّة،
الداخل إليها مفقودة، والخارج أيضاً!..
وعيناك شروق الليل، برق الأمطار الحارة.
أذكرك . أتنهدك. أستعيدك وأنا أنحني على أوراقي،
كساحرة تستحضر وجه حبيبها في مرآة،
وأكتبك بجموع القلب إلى المستحيل،
وحين ترف بأهدابك على الورقة، وتتنفس حياً،
أقفز إليك داخل الدفتر،
لنركض معاً هاربين بين السطور..

عاشقة ماتت غرقاً _غادة السمان

حين أموت،
لا تكتبوا اسمي على شاهدة قبري...
ولكن سطّروا حكاية حبي
وانقشوا: هنا ترقد امرأة،
عشقت ورقةً!..
وماتت غرقاً.. داخل محبرة!..

أيها البعيد كمنارة_غادة السمان

أيها البعيد كمنارة
أيها القريب كوشم في صدري
أيها البعيد كذكرى الطفولة
أيها القريب كأنفاسي وأفكاري
أحبك
أح ب ك
وأصرخ بملء صمتي :
أحبك
وأنت وحدك ستسمعني
من خلف كل تلك الأسوار
أصرخ وأناديك بملء صمتي ...
فالمساء حين لا أسمع صوتك :
مجزرة
الليل حين لا تعلق في شبكة أحلامي :
شهقة احتضار واحدة ...
المساء
وأنت بعيد هكذا
وأنا أقف على عتبة القلق
والمسافة بيني وبين لقائك
جسر من الليل
لم يعد بوسعي
أن أطوي الليالي بدونك
لم يعد بوسعي
أن أتابع تحريض الزمن البارد
لم يبق أمامي إلا الزلزال
وحده الزلزال
قد يمزج بقايانا ورمادنا
بعد أن حرمتنا الحياة
فرحة لقاء لا متناه
في السماء
يقرع شوقي اليك طبوله
داخل رأسي دونما توقف
يهب صوتك في حقولي
كالموسيقى النائية القادمة مع الريح
نسمعها ولا نسمعها
يهب صوتك في حقولي
واتمسك بكلماتك ووعودك
مثل طفل
يتمسك بطائرته الورقية المحلقة
إلى أين ستقذفني رياحك ؟
إلى أي شاطئ مجهول ؟
لكنني كالطفل
لن أفلت الخيط
وسأظل أركض بطائرة الحلم الورقية
وسأظل ألاحق ظلال كلماتك !..
.
.
أيها الغريب !
حين أفكر بكل ما كان بيننا
أحار
هل علي أن أشكرك ؟
أم أن أغفر لك ؟ ..

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

عاشقة تقرع باب الوردة _غادة السمان


ها أنت تناصبني الحب..
يا له من حب شبيه بالعداء،
واقف على تخوم الكراهية والعجرفة وشهيّة التملك..
أين المفر؟ وعيناك أمامي، وفراقك ورائي
والعمر مستحيل بك، وبدونك!...
***
أطرق باب الوردة، فتفتح بابها
شاهرة فأسها كصديقة "مخلصة"..
أطرق باب النسيان، فيرمي في وجهي
بصورنا القديمة وأسطواناتنا وهذياننا الهاتفي المحموم..
أطرق باب حبك، فيجيبني شبح فقد ذاكرته...
أطرق باب بيروت، فيفتحه مسلح أعمى عربيد
ويصرّ على إفهامي أسرار "الألوان" وهو يرسم..
ويلقي محاضرة عن الطريق إلى "النصر"
ويتابع صنع البوصلات إلى الجنة،
ويرغم الطيور على الهجرة وفقاً لخرائطه..
***
أطرق باب الموت، فيعلٍّق حفّار القبور لافتة:
"لم تبقَ محلات".. ويسجل اسمي على "لائحة الانتظار"!...
أطرق باب الفرح، فيفتحه لي وهو يجهش بالبكاء..
أطرق باب المحبرة، فأجد جثث الحروف
عائمة فوق سطحها مذبوحة بسكاكين "العناصر غير المنضبطة"...
أطرق باب جدتي، فتفتحه لي بوجهها العتيق،
وأبكي طويلاً فوق حناء يديها،
بينما ياسمين شعرها يهطل فوقي...

الأبدية لحظة ذكرى _غادة السمان

في مثل هذا اليوم الخريفي الجميل منذ سنوات طويلة،
غادرتكِ يا دمشق وأنا أقسم كاذبة على فراق أبدي كما يحدث في
شجار العشاق جميعاً.
ما زلت أذكر كيف قدتُ سيارتي وحيدة صوب بيروت وأنا
أغيظك بشهوتي للرحيل إلى تلك الأماكن السحرية كلها التي
طالما قرأت أسماءها على الخرائط وحلمت بالذهاب إليها.
في لبنان استقبلتني الألعاب النارية في مهرجان، واشتعلت
الذرى بالنيران الاحتفالية. سألت صبياً في "الكحّالة": هل
تحتفلون بوصولي الليلة إلى بلدكم؟ ضحك وقال: اليوم "عيد
الصليب". فرحت بالزينات والمشاعل ولم أكن أدري أن احتفالاً
طويلاً بصلبي على أشجار الغربة بين القارات بدأ تلك الليلة...
قبل أن أنام، راودتني الورقة عن نفسي لأخطّ لك رسالة ما،
فنحن لم نفترق قبلها ليلة واحدة، ولم يكن بوسعي أن أنام دون
أن أذكرك وأتشاجر معك. وما كدت أخط اسمك على الورقة
البيضاء حتى تحولت إلى حقل شاسع من الياسمين!
وعرفت كيف يغطي الحنين مساحات العتاب: إنه قدر
العشّاق.
***
أرحل أرحل. أبحث عنكِ طويلاً ولا أجدكِ ، ويهبط الثلج
بهدوء عارياً وعلى رؤوس أصابعه في القارة الأخرى.
ومثله، أهبط بهدوء حتى قاع ذاكرتي.
وهناك، أجدكِ بانتظاري كالمعجزة...
وتهب رائحة الياسمين حتى حافة البكاء...
***
يوم غادرتُكِ ، عبأت عمري في عدة حقائب، وها أنا أتشرد
بها من بلد إلى آخر، مثل راع يقود قطيعاً ضالاً من الخرفان في
الصباحات الوعرة، بين مراعي الغيم، تطارده بروق الذاكرة
وتحرقه صواعقها...
حبكِ طائر تسلل إلى مركبي مزقزقاً بأصوات صديقات
الطفولة، وبنى عشه ولكن داخل شراعي، فغطاه الياسمين الذي
كان يتسلق شرفتي الدمشقية العتيقة وكانت جدتي قد زرعته بيدين
تفوح منهما رائحة ماء الزهر والحّناء وتضمران الوشم البدوي
الجميل...
***
سيدة الرحيل
تزوجَت من المجازفة
وأنجبا الدهشة.
سيدة الرحيل، دموع من حبر، وشفتان من ورق،
ورئتان تتنهدان عطر الياسمين...
***
في السهرة الباريسية، يتنزه حزني بين المدعوين وهو ينثر
النكات والضحكات، وفي عنقه عقد من الياسمين عمره ربع قرن
وما زال نضراً كأنه قُطف للتو...
في السهرة العامرة يلتقي حزني بالحنين، فيمشيان معاً يداً
بيد، ويرقصان في الحلبة خداً على خد.
حبكِ يا دمشق بجعة بيضاء تسبح فوق مياه الذاكرة المعتمة
الغامضة بكل صمت الياسمين وسرّيته.

ذاكرة معطف آخر _غادة السمان


هذا المعطف، معطفي المسكين،
كيف يتهدل على مشجبه خاوياً،
كجسد فارقته الحياة...
مرة، ضممته بين ذراعيك تحت المطر،
فامتلأ بامرأة عاشقة...
وتحرك بأشواقها واكتنازها وتأجّجها...
وصار حياً.
واليوم، وقد مضيت،
أراه في تلك الأمسية الحزينة
بائسا ومتدلياً في الخواء،
مثل مشنوق نسوا دفنه...
وما زال معلّقاً على أبواب الليل الطويل...

صفير ذاكرة في محطة الشوق _غادة السمان


سافرتُ طويلاً
حتى صارت القطارات تسافر داخل دمي،
وصغيرها يهدر في أنفاق شراييني.
وها هي محطات الضياع الهولندية
تجدل الشعر الطويل لأحزاني وتزيّنه بزهرة "المجنونة"
الليلكية،
المقطوفة عن سياج الشواطئ المالحة كالدمع في بيروت...
باقات توليب الليل ذوت صباحاً في غرفتي بالفندق،
فكيف تظل تلك الزهرة الليلكية البيروتية الغابرة
جديدة ونضرة في قطارات الذاكرة؟!

نوارس الورق الأبيض _غادة السمان

حينما استحضرك
واكتب عنك،
يتحول القلم في يدي
الى وردة حمراء,,,
لم يكن بوسع مجنونة مثلي
ترتدي هدوءها بكل أناقة...
- وتغلق الأزرار اللؤلؤية لثوب اتزانها البارد
على تيه غجرية عارية القدمين-،
لم يكن بوسع حمقاء مثلي
إلا أن تحب شاعرا مبدعا متوحشا مثلك..
طفولي الأنانية، غزير الخيانات والأكاذيب مثلك..!
حينما أسطر اسمك،
تفاجئني أوراقي تحت يدي
وماء البحر يسيل منها
والنوارس البيض تطير فوقها..
.. وحينما ا كتب عنك
تشب النار في ممحاتي
ويهطل المطر من طاولتي
وتنبت الأزهار الربيعية على قش سلة مهملاتي
وتطير منها الفراشات الملونة ، والعصافير
وحين أمزق ما كتبت
تصير بقايا أوراقي وفتافيتها
قطعا من المرايا الفضية،
كقمر وقع وانكسر على طاولتي..
علمني كيف أكتب عنك
أو، كيف أنساك...!

رسائل الحب _غادة السمان

لا تكتب لي رسائل حب بعد اليوم لأنني لن أنشرها!
لا تفتتني بحامض قلم ينسكب من السطور على طرف قلبي.
لا تقلْ لي إنك تحبني، فأنت أداة القدر في مؤامرة محكمة لإذلالنا معاً.
أحببتك بين ضحكة وأخرى من ضحكاتي،
ونسيتك بين ميتة وأخرى من ميتاتي...
ولن أعيد إليك رسائلك.
فالبحر لا يعيد دوماً إلى البر غرقاه.

عاشقة تناديها البحار _غادة السمان


والتقينا بعد طول فراق...
وبالرغم من ثقوب النفس المهترئة كجورب متسول،
وفئران الذاكرة التي قرضت أحلى ذكرياتنا،
بالرغم من بطارياتنا الخاوية..
وبطانتنا المتملقة.. وثيابنا المسرحية الناجحة..
وخطواتنا الاجتماعية المدروسة كخطى الدمى المتحركة..
بالرغم من رقصتنا المتقنة،
على شطرنج الانتصارات المحنطة..
عاد ذلك التيار الغامض،
ليسري بين نظراتنا..
والسيالات الروحية اللامرئية.
توحِّدنا بالتواصل الغامض الأكيد...
وعادت أصابعي تلثم يدك
في مصافحة الدهشة..
وعدنا كما كنا: طفلين في جبال لبنان..
يقتسمان النجوم والغابات،
ويتشاجران في غمرة القبلات،
التي يطبعها القمر على خدودهما المتوهجة بالأشواق.
***
كنت أظن أننا متنا جيداً، وبإتقان
ولم نعد نقرأ في دفتر الجنون والليل..
ولم نعد نطالع غير مفكرة مواعيدنا، ودفاتر شيكاتنا..
وفواتير علفنا وأقنعتنا وديكوراتنا..
وها نحن فجأة، ننهض من توابيتنا المكيفة بالأوكسجين
ونعود من غرفنا المبطنة بحرير السلامة، لنجهش ضحكاً..
ولنرقص من جديد على الحافات الحادة،
للمشاعر الغامضة تأججاً بجاذبيتها اللا أرضية الروحية.
آه أنت، متى انتهت قصتنا، ومتى بدأت؟
وأين تنتهي أنت وأين تبدأ حدودي؟...
وما الذي سأفعله في الماضي الآتي بدونك؟
وما الذي فعلناه في المستقبل الغابر؟
***
إذاً التقينا.. واستيقظت الغجرية في أعماقي
من سباتها الاجتماعي الطويل.. وعادت تخاطبها العناصر..
يناديني النهر الشهي: تعالي واغرقي.. لتتعلّمي
كيف تتنفسين ملء رئتيك...
تناديني البحار: تعالي من جديد إلى جزر الأسرار..
تناديني الريح: أنا صوت القارّات المجهولة...
ألم تفتقدي الرحيل إليها؟
تناديني الشمس: تعلّمي حكمة العصافير..
الإقامة في العش طقس عابر،
والطيران وحده هو الحقيقة...
تناديني عيناك،
وأنا أهرول في دهاليز متاهاتي
وتصدران إليّ أوامر شهية
لم يعد بمقدوري أن ألبيها...
كأن الحب الذي يستعصي على النسيان،
يستعصي أيضاً.. على التكرار...
***
لم أصدق يوماً لحظات كسوف حبنا...
ليس ثمة ما يشبه انفجاراتنا الضوئية
حين أمتلئ بحضورك بين دهر وآخر..
أحول حولك، مليئة بالنوايا السيئة للعشاق!..
وأترك غبار طلعك يغطي حقولي
لتنمو براعم حروفي... والفجر يتنهدك في صدري...
وحتى الموت، أكتبك بحبر الأشواق
في عتمة الأعماق،
مثل أخطبوط ينزف سواده الحبري
ليدافع عن أسرار دموعه.. وفضائح أحزانه..
آه كيف أحارب طواحين الهواء
- التي تنتصب في الأفق كلما التقينا -
بغير سيفي الورقي وتعاويذ حرفي؟
***
إذاً التقينا، وها أنا من جديد
أقلّب نظراتك
مثل نورس يقلّب دفتر المجرة
وأطالع أمزجتك وأحوالك
كمن يقرأ النجوم في ليلة صحراوية صافية
يرى المرء عبرها الأزلية،
ويكتشف معنى عبارة "إلى الأبد"..
وأتوغل في صمتك على رؤوس أصابعي
كي لا أفجّر ألغام الماضي المشحونة بالعواصف..
وأرحِّب بك في عمري
ترحاب غريبين في جزيرة خاوية...
وأحاول ألا يكون دوري في عمرك هذه المرة،
كدور خرساء... في مسرحية إذاعية!..
_________

أتذكر أيامي معك_غادة السمان

أتذكر أيامي معك
كمن يرى الأشياء عبر نافذة قطار مسرع :
نائية وجميلة
والقبض عليها مستحيل
من وقت إلى أخر
فلنعد أطفالا
ولنحزن بلا كبرياء زائف
يوم احتضر
سافكر بتلك اللحظة المضيئة
حين وقفنا في الظلمة
على شرفة القرار
وقلت لي بحقد : أحبك
سأتذكر صوتك
وسيجيء الموت عذبا
ويضمني كرحم الفرح المنسي
وسأهمس بحقد مشابه :
آه كم أحببتك !

إمرأة البحر _غادة السمان


رسم لي بالطبشور دائرة على الجدار
وقال لي : قفي داخلها ...
فانطلقت هاربة
إلى شوارع البحر.
* * *
غاضباً لحق بي
غاضباً زقزق في وجهي ، وقرّعني
وقال ان القضية جادة
وان "البث مباشر"
ويجب أن أعود معه إلى (الاستديو)
لأقف وسط دائرة الطباشير
وتحت دائرة الضوء
* * *
مسكينة ومبتلة
كمتسول شتائي
حاولت أن أقول له
انني انا أيضاً جادة ! ..
ولكنني (أبداً أبداً)
لن أتركه يسجنني
داخل دائرة مرسومة بالطباشير
على جدار ما .. أرض ما .. مسرح ما ..
لن أتركه يسجنني ،
لا باسمه ، ولا باسم الحب ، ولا باسم الشهرة ،
ولا باسم أحد .
* * *
آه خذ قلبي ، واقضمه كتفاحة
ولكن لا تسجنني داخل دائرة مغلقة ! ...
* * *
ها أنا ألحظ للمرة الاولى ، وبرعب
ان الحرف الأول من اسمك
هو جزء من دائرة
فلا تتابع رسمها حولي !
* * *
الساعة مستديرة
لكن رمل الزمن
صحارى من الأسرار
تسخر من الاشكال الهندسية .
وأنا أكره الدائرة ،
واكره المربع والمثلث
وسأخرج في مظاهرة ضد المستطيل ومتوازي الأضلاع
وكل ما هو مغلق كالسجن ! ...
وحدها النقطة المتحركة أحبها
اما الخطان المتوازيات
فيثيران حزني لركضهما إلى الأبد دونما لقاء
ودون أن يتبدل شيء ... بينهما ... وفيهما ...
* * *
إلى شاطئ البحر أهرب منك
وأقف وحيدة
وبطبشورة الحرية
ارسم دائرة غير مغلقة ،
مفتوحة من طرفيها باتجاه البحر والافق
وأقفز داخلها ،
وأركض منها إلى البحر ..
البحر .. البحر ... البحر ...

أوراقٌ إسْبَانيّة نزار قباني



(1)
الجسر
إسبانيا..
جسرٌ من البكاءْ..
يمتدُّ بين الأرضِ والسماءْ..
(2)
سوناتا
على صدر قيثارةٍ باكيَهْ
تموتُ..
وتولدُ إسبانيَهْ..
(3)
الفارسُ والوردة
إسبانيا..
مراوحٌ هفهافةٌ
تمشّطُ الهواءْ..
وأعينٌ سوداءُ..
لا بدءٌ لها.. ولا انتهاءْ
قُبّعةٌ تُرمى أمام شرفة الحبيبَه.
ووردةٌ رطيبَه..
تطيرُ من مقصورة النساءْ
تحملُ في أوراقها الصلاةَ والدعاءْ.
لفارسٍ من الجنوب.. أحمرِ الرداءْ.
يداعبُ الفناءْ..
وكلُّ ما يملُكهُ..
سيفٌ.. كبرياءْ..
(4)
بيتُ العصافير
بإشبيليهْ
تعلِّق كلُّ جميلَهْ
على شَعْرها وردةً قانيَهْ
تحطُّ عليها مساءً
جميعُ عصافير إسبانيَهْ
(5)
مراوحُ الاسبانيات
إذا لَمْلَمَ الصيفُ أشياءَهُ
ومات الربيعُ على الرابيَهْ
تفتّح ألفُ ربيعٍ جديدٍ
على ألف مروحةٍ زاهيَه..
(6)
اللؤلؤ الأسود
شوارعُ غرناطة في الظهيرَهْ
حقولٌ من اللؤلؤ الأسودِ..
فمِنْ مقعدي..
أرى وطني في العيون الكبيرَهْ
أرى مئذناتِ دمشقَ
مُصوَّرةً..
فوقَ كلِّ ضفيرَهْ
(7)
دونيا ماريا
تُمزِّقني.. دونيا ماريّهْ
بعَيْنينِ أوسعَ من باديَهْ
ووجهٍ عليه شموسُ بلادي
وروعةُ آفاقها الصاحيَهْ..
فأذكرُ منزلنا في دمشق
وَلثْغةَ بِرْكته الصافيَهْ
ورقْصَ الظلال بقاعاتِه
وأشجارَ ليمونه العاليَهْ
وباباً قديماً.. نقشتُ عليه
بخطّ رديء.. حكاياتيَهْ
بعينيكِ.. يا دونيا ماريَهْ
أرى وطني مرةً ثانيَهْ...
(8)
القُرط الطموح
على أُذُنيْ هذه الغانيَهْ
تأرجح قُرْطٌ رفيعْ
كما يضحكُ الضوءُ في الآنيَهْ
يمدُّ يديهِ.. ولا يستطيعْ
وصولاً.. إلى الكتِفِ العاريَهْ..
(9)
الثور
برغْمِ النزيف الذي يعتريهِ..
برغمِ السهام الدفينةِ فيهِ..
يظلُّ القتيلُ على ما به..
أجلَّ .. وأكبرَ .. من قاتليهِ..
(10)
نزيفُ الأنبياء..
كُوريدَا...
كُوريدَا...
ويندفع الثورُ نحو الرداءْ
قوياً.. عنيداً..
ويسقُطُ في ساحة الملعب..
كأيِّ شهيدٍ..
كأيِّ نبي..
ولا يتخلى عن الكبرياءْ...
(11)
بقايا العرب
فْلامنكُو..
فْلامنكُو..
وتستيقظُ الحانةُ الغافيَهْ
على قهقهاتِ صنوج الخَشَبْ
وبحّةِ صوتٍ حزينِ..
يسيلُ كنافورةٍ من ذهبْ
وأجلسُ في زاويَهْ
ألُمُّ دموعي..
ألُمُّ بقايا العربْ...

تريدين..نزار قباني


تُريدينَ مثلَ جميعِ النساءِ..
كنوزَ سليمانَ..
مثلَ جميع النساءِ
وأحواض عطرٍ
وأمشاط عاجٍ
وسرْبَ إماءِ
تُريدينَ مَوْلى..
يُسبّح باسمك كالبَبَغاءِ
يقولُ: (أحبّكِ) عند الصباحِ
يقولُ: (أحبّكِ) عند المساءِ
ويغسلُ بالخمر رجليْكِ..
يا شهرزادَ النساءِ..
تريدينَ مثل جميع النساءِ
تريدينَ مني نجومَ السماءِ
وأطباقَ مَنٍّ..
وأطباقَ سلوى..
وخُفّينِ من زَهر الكستناءِ..
تريدينَ..
من شَنغَهَاي الحريرَ..
ومن أصفهانَ
جلودَ الفراءِ..
ولستُ نبياً من الأنبياءِ..
لألقي عصايَ..
فينشقّ بحرٌ..
ويولدُ حِجَارته من ضياءِ..
تريدينَ مثلَ جميع النساءِ..
مراوحَ ريشٍ
وكُحلاً..
وعطرا..
تريدينَ عبداً شديدَ الغباءِ
ليقرأ عند سريركِ شعرا.
تريدينَ..
في لحظتينِ اثْنَتيْنِ
بَلاطَ الرشيدِ
وإيوانَ كِسرى..
وقافلةً من عبيد وأسرى
تجرّ ذيولكِ..
يا كلْيوبترا...
ولستُ أنا..
سندبادَ الفضاءِ..
لأحضر بابلَ بين يديكِ
وأهرامَ مصرٍ..
وإيوانَ كسْرى
وليس لديّ سراجُ علاءِ
لآتيكِ بالشمسِ فوقَ إناءِ..
كما تتمنى.. جميعُ النساءِ..
وبعدُ..
أيا شهرزادَ النساءِ..
أنا عاملٌ من دمشقَ .. فقيرٌ
رغيفي أغمّسه بالدماءِ..
شعوري بسيط
وأجري بسيطٌ
وأؤمنُ بالخبز والأولياءِ..
وأحلم بالحبّ كالآخرينْ..
وزوجٍ تخيطُ ثقوبَ ردائي..
وطفلٍ ينامُ على ركبتيَّ
كعصفور حقلٍ
كزهرةِ ماءِ..
أفكر بالحب كالآخرينْ..
لأن المحبة مثل الهواءِ..
لأن المحبة شمسٌ تضيء..
على الحالمينَ وراء القصورِ..
على الكادحينَ..
على الأشقياءِ..
ومن يملكونَ سريرَ حريرٍ
ومن يملكونَ سريرَ بُكاءِ..
تريدينَ مثلَ جميع النساءِ..
تريدينَ ثامنةَ المعجزاتِ..
وليس لديَّ..
سوى كبريائي..

حصَان _نزار قباني


حاذري أن تقعي بين يديّا
إنَّ سُمّي كلّه في شفتيّا
إنني أرفضُ أن أبقى هُنا
رِجْلَ كرسي.. وتمثالاً غبياً..
حاذري..أن ترفعي السَوْطَ.. ألمْ
تركبي قَبْلُ.. حصاناً عربيّا..
نَخْزَةٌ منكِ على خاصرتي
تجعلُ الحقدَ بصدري بربريا..
أنا شمشونُ .. اذا أوجعتني
قلتُ: يا ربي، عليها.. وعليّا..

حوار مع امرأة على مشارف الأربعين... نزار قباني


1
ما الذي أستطيع أن أفعلهُ من أَجْلِكْ؟
أيّتها السيّدة التي بيني وبينها..
أسرارٌ غيرُ قابلةٍ للنشرْ..
وذنوبٌ صغيرةٌ غيرُ قابلةٍ للغُفرانْ..
إنني أفهَمُ جيّداً خلفيّاتِ حُزْنكْ..
لكنني لا أستطيعُ أن أمنعَ أيَّ انقلابٍ ينفذهُ نَيْسَانْ..
ضدّ نهديْكِ المتمسِّكينِ بالسُلْطة..
إلى يوم القيامَه..
2
صحيحٌ أنَّ التاريخَ يعيد نفسَه..
ولكنَّ الأنوثةَ – يا سيدتي- لا تعيدُ نَفْسَها أبداً..
إنها شرارةٌ لا تقبلُ النسْخَ والتكرارْ..
هذا ما كنتُ أشرحهُ لكِ، وأنتِ في السادسةَ عشرَهْ..
يومَ كانت الشمسُ لا تغيبُ عن ممتلكاتِكْ..
وجيوشُكِ تملأ البحرَ والبرَّ..
وجَسَدكِ الياسمينيُّ.. يأمُر .. وينهى ..
ويقول للشيء : كُنْ .. فيكون....
3
كيف أستطيعُ أن أُساعدَكِ؟
أيّتها المرْأةُ التي لم تساعد نَفْسَها..
ولم تَحْفَظْ خطَّ تراجُعها..
أيّتها الطاغية الصغيرهْ..
التي سحقتْ كلَّ معارضيها..
وأعدَمت كَهَنَتَها وَعَرَّافيها..
وأغلقت الصُحُفَ.. وسحقَتْ الحرّياتْ
ورفَعَت تماثيلها في الساحات العامَّهْ..
ووضعتْ صُوَرَها على طوابع البريدْ..
هل تتذكَّرِينْ؟
كمْ كنتِ مجنونةً في السادسةَ عَشْرَهْ
وكيف كنتِ تتحدَّثينَ.. كملوك فَرَنْسا..
عن حقّكِ الالهي الذي لا يُنَاقَشْ..
في قَتْل كلِّ رَجُلٍ..
يعشقُ امرأةً غيرَكِ من نساء المملكَهْ..
وقَتْلِ كلِّ امرأةٍ..
تخرجُ مع رجلٍ يعجبكِ من رجال المملكَهْ...
4
ما الذي أستطيع أن أفعلَهْ؟
لأخفّفَ عنكِ وَجَع الهزيمَهْْ
ومرارةَ السقوط عن العرشْْ..
أيّتها السلطانةُ التي فقدتْ سُلْطانَها
ما الذي أستطيعُ أن أفعلَهْ؟.
لأحرِّرَكِ من مُرَكَّباتِ العظمة الفارغَهْ..
وأعيد إلى عينيكِ السوداويْنِ لونَهما الطبيعي..
وإلى نهديْكِ الأحمقينْ..
شَعْبِيّتَهما الضائعَهْ!!
ما الذي أستطيعُُ أن أفعلْ؟
لأعيدَ جَسَدَكِ حليبيّاً كما كانْ
ونهدَكِ دائريّاً كما كانْ
وعِشقي لكِ.. بدائيَّاً.. همجيّاً.. إنتحاريَّاً...
كما كانْ...
في سالف الزمانْ!!

قل لي_سعاد الصباح

قل لي
هل أحببت امرأة قبلي ؟
تفقد , حين تكون بحالة حب
نور العقل ..؟
قل لي . قل لي
كيف تصير المرأة حين تحب
شجيرة فل ؟
قل لي
كيف يكون الشبه الصارخ
بين الأصل , وبين الظل
بين العين , وبين الكحل ؟
كيف تصير امرأة عن
عاشقها
نسخة حب .. طبق الأصل ؟..
قل لي لغة ...
لم تسمعها امرأة غيري ...
خذني .. نحو جزيرة حب ..
لم يسكنها أحد غيري ..
خذني نحو كلام خلف
حدود الشعر
قل لي : إني الحب الأول
قل لي : إني الوعد الأول
قطر ماء حنانك في أذنيا
إزرع قمراً في عينيا
إن عبارة حب منك ..
تساوي الدنيا ...
يا من يسكن مثل الوردة في
أعماقي
يا من يلعب مثل الطفل على
أحداقي
أنت غريب في أطوارك مثل
الطفل
أنت عنيف مثل الموج,
وأنت لطيف مثل الرمل ..
لا تتضايق من أشواقي
كرر . كرر اسمي دوماً
في ساعات الفجر .. وفي
ساعات الليل قد لا أتقن فن
الصمت .. فسامح جهلي ..
فتش . فتش في أرجاء
الأرض فما في العالم أنثى
مثلي...
أنت حبيبي . لا تتركني
أشرب صبري مثل النخل ..
إني أنت ..
فكيف أفرق ..
بين الأصل ,
وبين الظل ؟

كان بوسعي .._سعاد الصباح

قد كان بُوسعي،
- مثل جميع نساء الأرضِ
مغازلةُ المرآة
قد كان بوسعي،
أن أحتسي القهوة في دفء فراشي
وأُمارس ثرثرتي في الهاتف
دون شعورٍ بالأيّام.. وبالساعاتْ
قد كان بوسعي أن أتجمّل..
أن أتكحّل
أن أتدلّل..
أن أتحمّص تحت الشمس
وأرقُص فوق الموج ككلّ الحوريّاتْ
قد كان بوسعي
أن أتشكّل بالفيروز، وبالياقوت،
وأن أتثنّى كالملكات
قد كان بوسعي أن لا أفعل شيئاً
أن لا أقرأ شيئاً
أن لا أكتب شيئاً
أن أتفرّغ للأضواء.. وللأزياء.. وللرّحلاتْ..
قد كان بوسعي
أن لا أرفض
أن لا أغضب
أن لا أصرخ في وجه المأساة
قد كان بوسعي،
أن أبتلع الدّمع
وأن أبتلع القمع
وأن أتأقلم مثل جميع المسجونات
قد كان بوسعي
أن أتجنّب أسئلة التّاريخ
وأهرب من تعذيب الذّات
قد كان بوسعي
أن أتجنّب آهة كلّ المحزونين
وصرخة كلّ المسحوقين
وثورة آلاف الأمواتْ ..
لكنّي خنتُ قوانين الأنثى
واخترتُ ..مواجهةَ الكلماتْ

تحت المطر الرمادي ! _سعاد الصباح


1 -
على هذه الكُرَةِ الأرضية المُهتزّهْ
أنت نُقْطَةُ ارْتِكازي
وتحت هذا المَطَر الكبريتيِّ الأسودْ
وفي هذه المُدُنِ التي لا تقرأُ... ولا تكتبْ
أنت ثقافتي...
- 2 -
الوطنُ يَتفتَّتُ تحت أقدامي
كزجاجٍ مكسُورْ
والتاريخُ عَرَبةٌ مات سائقُها
وذاكرتي ملأى بعشرات الثُقُوبْ...
فلا الشوارعُ لها ذاتُ الأسماءْ
ولا صناديقُ البريد احتفظتْ بلونها الأحمرْ
ولا الحمائمُ تَستوطن ذات العناوينْ...
- 3 -
لم أعُدْ قادرةً على الحُبِّ... ولا على الكراهيَهْ
ولا على الصَمْتِ, ولا على الصُرَاخْ
ولا على النِسْيان, ولا على التَذَكُّرْ
لم أعُدْ قادرةً على مُمَارسة أُنوثتي...
فأشواقي ذهبتْ في إجازةٍ طويلَهْ
وقلبي... عُلْبَةُ سردينٍ
انتهت مُدَّةُ استعمالها...
- 4 -
أحاول أن أرسُمَ بحراً... قزحيَّ الألوانْ
فأفْشَلْ...
وأحاولُ أن أكتشفَ جزيرةً
لا تُشْنَقُ أشجارُها بتُهْمةِ العَمالهْ
ولا تُعتقلُ فراشَاتُها بتُهمَة كتابة الشِعْر...
فأفْشَلْ...
وأحاول أن أرسُمَ خيولاً
تركضُ في براري الحريّهْ...
فأفْشَلْ...
وأحاولُ أن أرسمَ مَرْكَباً
يأخُذُني معك إلى آخر الدنيا...
فأفْشَلْ...
وأحاول أن أخترعَ وطناً
لا يجلدُني خمسين جَلْدةً... لأنني أحبُّك
فأفْشَلْ...
- 5 -
أحاولُ, يا صديقي
أن أكونَ امرأةً...
بكل المقاييس, والمواصفات
فلا أجدُ محكمةً تصغي إلى أقوالي...
ولا قاضِياً يقبَلُ شَهَادتي...
- 6 -
ماذا أفعلُ في مقاهي العالم وحدي?
أمْضَغُ جريدتي?
أمْضَغُ فجيعتي?
أمْضَعُ خيطانَ ذاكرتي?
ماذا أفعل بالفناجينِ التي تأتي... وتَروُحْ?
وبالحُزْنِ الذي يأتي... ولا يروُحْ?
وبالضَجَرِ الذي يطلعُ كلّ رُبْعِ ساعهْ
حيناً من ميناءِ ساعتي
وحيناً من دفترِ عناويني
وحيناً من حقيبةِ يدي...?
- 7 -
ماذا أفعلُ بتُراثِكَ العاطفيّ
المَزْرُوعِ في دمي كأشجارِ الياسمين?
ماذا أفعلُ بصوتِكَ الذي ينقُرُ كالديكِ...
وجهَ شراشفي?
ماذا أفعلُ برائحتِكَ
التي تسبح كأسماك القِرْشِ في مياه ذاكرتي
ماذا أفعلُ بَبَصماتِ ذوقِكَ... على أثاث غرفتي
وألوان ثيابي...
وتفاصيلِ حياتي?...
ماذا أفعلُ بفصيلةِ دمي?...
يا أيُّها المسافرُ ليلاً ونهاراً
في كُريَّاتِ دمي...
- 8 -
كيفَ أسْتحضركَ
يا صديق الأزمنة الوَرْديّهْ?
ووجهي مُغَطَّى بالفَحْم
وشعوري مُغَطَّى بالفحْم
ليست فلسطين وحدَها هي التي تحترقْ
ولكنَّ الشوفينيَّهْ
والساديّهْ
والغوغائيّة السياسيَّهْ
وعشرات الأقنعةِ, والملابس التنكريَّهْ...
تحترق أيضاً
وليست الطيورُ, والأسماكُ وحدَها
هي التي تختنقْ
ولكنَّ الإنسانَ العربيَّ هو الذي يختنقْ
داخل (الهولوكوستِ) الكبيرْ...
- 9 -
يا أيها الصديق الذي أحتاجُ الى ذراعَيْهِ في وقت ضَعْفي
وإلى ثباته في وقت انهياري
كل ما حولي عروضُ مسرحيَّهْ
والأبطالُ الذين طالما صفَّقتُ لهم
لم يكونوا أكثر من ظاهرةٍ صَوْتيَّهْ...
ونُمُورٍ من وَرَقْ...
- 10 -
يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي
وتشكيلَ أنوثتي...
أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ
حتى لا أبقى في العَرَاءْ
وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ
حتى لا أظلَّ في المنفى...

أيتها السيدة التي استقالت من أنوثتها.. نزار قباني

1
أيّتها السيّدةُ التي استقالتْ من أنوثتها..
ومن أمشاطها ، ومكاحلها ، وأساور يديْها .
كان اللهُ في عونِكْ ..
أيّتها السيّدة التي استقالتْ من رنين البيانُو..
ورنينِ النبيذِ الأحمرِ.. ورنينِ شَهَواتي..
كان اللهُ في عَوْني..
أيّتها السيّدة التي استقالتْ من نهديْها..
ووضعْتهما كتُفَّاحتَيْن في ثَلاجَهْ..
كان اللهُ في عون المرايا..
2
أيّتها الرصينةُ كموظّفةٍ في بنكٍ عربيٍّ مؤمَّمْ..
إبتسمي قليلاً..
ففمُكِ لا بأسَ به إذا رششتِهِ بماء الفَرَحْ..
وعيناكِ لا بأسَ بهما..
إذا كَحَّلتِهِما بقليلٍ من الحنانْ..
إكسري الزجاجَ الذي يفصل بين صوتي وغاباتك الشاسعَهْ
بين أصابعي.. وأقاليمكِ الاستوائَّيهْ..
بين حصاني.. ومزارعكِ الطازجةِ العُشْبْ...
3
أيّتها المثقَّفةُ إلى درجة التجلُّدْ..
الأكاديميَّةُ إلى درجة القشعريرَهْ..
أيَّتها المحاصَرَهْ..
بين جدران الكَلماتِ المأثورَهْ..
وتعاليمِ حُكَماءِ الهندْ..
ولُزُوميّاتِ ما لا يلزمْ..
أنتِ مأخوذَةٌ بأبي العتاهِيَهْ
وأنا مأخوذٌ بالشُعَراءِ الصعاليكْ..
أنتِ مهتمَّةٌ بالمعتزلَهْ..
وأنا مهتمٌّ بأبي نُوَاسْ
أنتِ مُعْجَبَةٌ برقص (البَالِيهْ)
وأنا مُعْجَبٌ برقْص الدراويشْ..
أنتِ تسكنينَ مراكبَ الوَرَقْ..
وأنا أسكُنُ البحرْ..
أنتِ تسكنينَ الطمأنينَهْ..
وأنا أسكُن الإنتحارْ..
4
أيّتها السيّدةُ المضطجعةُ على رفوف الكُتُبْ..
أيّتها الضائعةُ في غبار النُصُوصْ...
إنَّ دمعي أنقى من حِبْر مخطوطاتِك...
وقراءةَ فمي... أهمُّ من جميع قراءاتِكْ...
فلماذا لا تتثقّفينَ على يدي؟
فأنا الثقافة.. أنا الثقافة.. أنا الثقافهْ..
أنا الذي أستطيعُ أن أحوّل نهدَكِ إلى حمامَهْ
وفخذَيْكِ إلى سبيكتيْ ذَهَبْ..
وفَمَكِ إلى عُشٍ للعصافيرْ..
أنا الذي أستطيع أن أجعلكِ..
مَلِكَةً .. أو جَاريَهْ..
سَمَكَةً .. أو غزالَهْ..
أو قَمَراً في باديَهْ...
5
أيّتها السيّدةُ المستنكِفةُ عن السَفَر الليليّْ..
أيّتها الخائفةُ من رائحة الرَجُلْ..
ورائحةِ المراكبْ..
أيّتها السمكةُ التي لا تريد أن تسبَحْ..
ولا تريدُ أن تغرقْ..
لماذا لا تَتَتَلْمَذِين على يدي؟..
إنني أعرف كلَّ شيء عن النساء.. والنباتات المتسلّقَهْ..
والحيواناتِ الأليفةِ.. والحيوانات المفترسَهْ...
لماذا لا تتتلمذينَ على يدي؟
إنني أعرفُ كلَّ شيءٍ عن العناصر الأربعَهْ..
أعرف كلَّ شيء عن كيمياء الأرضِ..
وكيمياء الإنسانْ..
أعرفُ التفَّاحَةَ كيف تستديرْ..
وغابات القَصَب كيف تتشابَكْ
والنِمْرَ كيفَ يقفزْ..
ونَهْدَ المرأة كيف يبحث عن فريستِهْ..
6
أيّتها السيّدةُ التي استقالتْ من كُتُب الشعرْ..
ودخلتْ في جدول الحسابْ..
واستقالتْ من الورد.. والماء.. والعصافيرْ..
ودخلتْ في اليباسْ..
لماذا لا تستعملينَ أعشابي الطبيعيَّهْ؟.
لماذا لا تَثقينَ بمعارفي؟..
فأنا المعرفةُ..
أنا المعرفَهْ..
هل ترينَ هذه العروقَ المنفجرةَ على وجه يدي؟.
هل ترينَ هذه الشُقوقَ المفتوحةَ على ضفاف فمي؟
هل تشمّين رائحةَ الكبريتِ..
المتصاعدةَ من شراييني؟
هذه هي شهادات هَمَجيّتي.. وجُنُوني...
وهي كلّها من مرتبة الشَرَف.. كما تلاحظينْ
فهل ثَمَّةَ وظيفةٌ شاغرهْ؟...
لحدائقيٍّ.. يطلبُ عملاً في بساتين عينيْكِ؟..
7
أيّتها السيّدةُ التي تتعاملُ معي..
بميزان صَيْدليّْ..
وتلامسُ يدي، بحياد مُمرّضَهْ..
إنني لا أتحمّلُ ثيابَكِ البيضاءْ..
وأسنانَكِ البيضاءْ..
وابتسامَتَكِ البيضاءْ..
لا أتحمَّلْ كلَّ هذا التنظيمْ..
في التعبير عن غرائزي..
لا أتحمَّلُ كلَّ هذا المناخ المعقَّمْ..
والشراشِفِ المعقَّمَه..
والعواطِف المعقَّمَهْ..
لا أتحملُ أن أقف ساعاتٍ في طابور الفلاسفَهْ
لأحصَلَ منكِ على قُبْلَهْ..
كلُّ هذه الكُتُب التي تحيط بكِ.. أسماكٌ مجلَّدَهْ..
كل هذه القوارير الكبيرة والصغيرة لا تُخفِضُ حرارتي..
فارميها جميعاً.. والتجئي إلى أعشاب صدري..
كَخَرُوفٍ أبيضْ..
8
أيّتها السيّدةُ القاسيةُ كناظرة مدرسةٍ داخليَّهْ..
إعفيني من إرهابكِ الثقافيّْ..
إن الطفلَ في داخلي، يريدُ أن يلعبَ معكِ..
فلماذا لَمْلَمْتِ كُرَاتِكِ وانسحبتِ؟
قد لا أكونُ عادِلاً في لَعِبي معكِ..
ولكنَّ أطفالَ العالم كلّهم مثلي.. لا يعرفونَ العدالهْ..
قد تكون سمعتي سيئة في الشارع الذي تسكنينَهْ..
ولكنني أعِدُكِ لو قبلتِ أن تلعبي معي مرةً ثانيَهْ..
أنْ أجعلكِ تربحينْ..
فاربطي شعرَكِ بشريطٍ أزرقْ..
واضربي الكُرَةَ أنتِ..
إضربي كُرَتَينِ إذا شئتِ..
هاجمي أنتِ.. واقتحمي أنتِ..
واخترقي جسدي أنتِ..
فليسَ مُهِمّاً أن أربح أنا..
وليسَ مُهِمّاً ما ستكتُبهُ الصحافةُ عنّي..
المهمُّ أن تعرفَ الصحافَهْ..
أن الإمبرياليّةَ قد تكونُ امرأَهْ.......

صورة خصوصية جداً من أرشيف السيدة م_نزار قباني

1
إنّي تَعِبْتُ من التفاصيل الصغيرَهْ..
ومن الخُطُوط المستقيمةِ.. والخطوطِ المستديرَهْ...
وتَعِبْتُ من هذا النفير العسكريِّ
إلى مطَارَحَة الغرامْ
النَهْدُ.. مثلُ القائد العربيِّ يأمُرُني:
تَقَدَّمْ للأمامْ..
والفُلْلُلُ الهنديُّ في الشفتينِ يهتُفُ بي:
تقدَّمْ للأمامْ..
والأحمرُ العِنَبِيُّ فوق أصابع القَدَميْنِ.. يصرخُ بي:
تقدَّمْ للأمامْ..
إنّي رفعتُ الرايَةَ البيضاءِ ، سيّدتي ، بلا قيدٍ ولا شرطٍ،
ومفتاحُ المدينة تحت أمرِكِ..
فادْخُليها في سَلامْ..
جَسَدَي المدينةُ ..
فادخلي من أيِّ بابٍ شئتِ أيَّتُها الأميرَهْ..
وتصرّفي بجميع ما فيها .. ومَنْ فيها..
وخَلِّيني أَنَامْ..
2
كيف أُميِّزُ الألوانَ؟
وتضخّمُ الإحساسَ بالأشياءِ..
3
مايا تُغنّي – وهي تحت الدُوشِ- أغنيةً من اليونان رائعةً..
وتضحكُ دونما سببٍ..
وترضى دونما سببٍ
مايا تناديني..
لأُعطيها مناشفَها..
وأُعطيَها خواتمَها الملوَّنةَ المثيرَهْ
وأنّها ما قاربتْ أحداً سوايا...
وأنا أصدّقُ كلَّ ما قالَ النبيذُ..
وكلَّ ما قَالَتْهُ مايا..
4
مايا على (المُوكِيتْ ) حافيةٌ..
وتطلبُ أن أساعدَها على ربط الضفيرَهْ
وأنا أواجهُ ظَهْرَها العاري..
طفلٍ ضائعٍ ما بين آلاف الهدايا..
5
والبحرُ من ذَهَبٍ .. ومن زَغَبٍ..
وحَوْلَ عَمُودِها الفَقَريِّ أكثرُ من جزيرَهْ
من يا تُرى اخترعَ القصيدةَ والنبيذَ وخَصْرَ مايا...
مايا لها إبْطانِ يخترعانِ عِطْرَهُما..
في انحناءات الشُعُورِ..
وأرسو كلَّ ثانيةٍ على أرضٍ جديدَهْ..
مايا تقولُ بأنني الذَكَرُ الوحيدُ..
وإنها الأُنثى الوحيدَهْ..
وأنا أصدّق كلَّ ما قال النبيذُ....
وكلَّ ما قالتهُ مايا...
مايا لها نَهْدَانِ شَيْطَانَانِ هَمُّهُمَا مخالفةُ الوصايا..
وماكرةٌ .. وطاهرةٌ..
وتحلو حين ترتكبُ الخَطَايا...
الحرُّ في تَمُّوزَ يجلدني على ظَهْري..
فكيف يمارسُ الانسان فنَّ الحبّ في عِزِّ الظهيرَهْ؟
والموتَ في عِزِّ الظهيرَهْ.؟
7
وتروي لي النوادرَ والحكايا..
وحاضرةً.. وغائبةً..
وواضحةً.. وغامضةً..
فَتَخْذِلُني يَدَايَا..
مايا مُبَلَّلَةٌ وطازَجةٌ كتُفَّاحِ الجبالِ..
وعند تَقَاطُع الخُلْجَان قد سَالَتْ دِمايا..
مايا تكرِّرُ أنها ما لامستْ أحداً سوايا..
وأنا أصدِّق كلَّ ما قالَ النبيذُ..
8
مايا تفتّش عن فريستها كأسماكِ البحارْ..
9
هذي شواطيءُ حضْرَمَوْتَ..
وبعدَها.. تأتي طريقُ الهِنْدِ..
إنَّ مراكبي دَاخَتْ..
وبين الطُحْلُب البحريِّ والمَرْجَانِ..
تَنْفَتِحُ احتمالاتٌ كثيرَهْ..
ماذا اعتراني؟
مايا تُناديني..
والتوابلُ..
والبَهَارْ..
هذا النبيذُ أساءَ لي جدّاً...
فَمَتى سأتّخذُ القرارْ.؟
مايا تُغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديد أينَ مكانُ مايا..
كانَتْ وراءَ سِتَارة الحمَّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلَها النبيذُ إلى شظايا...
11
مايا تقولُ بأنها امرأتي..
ومالكتي..
وتحلفُ أنّها ما ضاجعتْ أحداً سوايا..
ورُبْعَ ما قالتْه مايا..
والتوابلُ..
والبَهَارْ..
هذا النبيذُ أساءَ لي جدّاً...
فَمَتى سأتّخذُ القرارْ.؟
مايا تُغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديد أينَ مكانُ مايا..
كانَتْ وراءَ سِتَارة الحمَّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلَها النبيذُ إلى شظايا...
11
مايا تقولُ بأنها امرأتي..
ومالكتي..
ومملكتي..
وتحلفُ أنّها ما ضاجعتْ أحداً سوايا..
وأنا أصدِقُ كلَّ ما قالَ النبيذُ..
ورُبْعَ ما قالتْه مايا..
والتوابلُ..
والبَهَارْ..
هذا النبيذُ أساءَ لي جدّاً...
وأَنْساني بداياتِ الحوارْ..
فَمَتى سأتّخذُ القرارْ.؟
10
مايا تُغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديد أينَ مكانُ مايا..
كانَتْ وراءَ سِتَارة الحمَّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلَها النبيذُ إلى شظايا...
11
مايا تقولُ بأنها امرأتي..
ومالكتي..
ومملكتي..
وتحلفُ أنّها ما ضاجعتْ أحداً سوايا..
وأنا أصدِقُ كلَّ ما قالَ النبيذُ..
ورُبْعَ ما قالتْه مايا..

إلى سيدة تصطنع الهدوء _ نزار قباني

خُذي وَقْتَكِ، يا سيدتي العزيزَهْ
فلا أحدَ يُرغمُكِ على الإدلاء باعترافاتٍ كاذبَهْ
ولا أحدَ يُريدُ منكِ أن تفعلي الحبَّ..
تحت تأثير الخمرة.. أو المُخدِّرْ.
كما لو كنتِ تخلعينَ أحدَ أضراسِكْ..
لستِ مُضطرةً للتَبَرُّع بنِصْفِ فَمِكْ..
أو نصفِ يدِكْ..
فلا الشفاهُ قابلةٌ للقِسْمَهْ..
ولا الأنوثةُ قابلةٌ للقِسْمَهْ..
هذا هو الموقفُ يا سيّدتي..
فلا تخاطبيني وأنتِ مُضْطَجعةٌ على سريركِ الملكيّْ
فآخرُ اهتماماتي.. سَنْدُ خاصِرَةِ المَلِكاتْ..
وقراءةُ شعري..
في مجالسِ الملكاتْ..
2
خُذِي الوقْتَ الذي تستغرقُهُ اللؤلؤةُ لتتشكَّلْ.
والسُنُونوَّةُ لتصنعَ بجناحيها صيفاً..
خُذِي الوقْتَ الذي يستغرقُهُ النهدْ..
ليصبحَ حصاناً أبيضْ..
خذي الأزْمِنَةَ التي ذَهَبَتْ..
والأزْمِنَةَ التي سوف تأتي..
فالمسافةُ طويلَهْ..
بين آخر النبيذ.. وأوَّلِ الكِتابَهْ
وأنا لستُ مستعجلاً عليكِ..
أو على الشِّعْرْ..
فالعيونُ الجميلةُ غير قابلةٍ للاغتصابْ..
والكلماتُ الجميلةُ غيرُ قابلةٍ للاغتصابْ..
والذين لهمْ خبرةٌ بشؤون البحرْ..
يعرفونَ أنَّ السُفُنَ الذكيّةَ لا تستعجلُ الوصول..
وان السواحلَ هي شيخوخةُ المراكبْ..
3
خُذِي وَقْتَكِ..
أيّتُها السيّدةُ التي تصطنعُ الهدوءْ
إنني لا أُطالبُكِ بارتجالِ العواطفْ..
فلا أحدَ يستطيع تفجيرَ ماء الينابيعْ
ولا أحدَ يستطيع رَشْوَةَ البَرق والرعدْ..
ولا أحدَ يستطيعُ إكراهَ قصيدةٍ
على النوم مع شاعرٍ لا تُريدُهْ..
4
خُذي وقْتَكِ.. أيّتها الهوائيَّةُ الأطوارْ..
يا امرأةَ التحوُّلات، والطقْسِ الذي لا يستقِرْ
أيتها المسافرةُ بين القُطبِ.. وخَطِّ الإستواءْ
بين انفجارات الشِعْر.. ورَمَادِ الكلام اليوميّْ
خُذي وَقْتَكِ..
خُذي وَقْتَكِ..
إن نارَ الحطب لا تزال في أوّلها..
ونارَ القصيدة لا تزال في أوّلِها..
وأنا لستُ مستعجلاً على انشقاق البحرْ..
وذوبان الثلوج.. على مرتفعات نهديْكْ..
إنني لا أطالبُكِ بإحراق سُفُنِكْ..
والتخلّي عن مملكتك.. وحاشيتكْ.. وامتيازاتِك الطَبَقيَّهْ..
لا أطالبُكِ بأن تركبي معي فَرَسَ الجنونْ..
فالجنونُ هو موهبةُ الفقراء وحدَهمْ..
والشعراء وحْدَهم..
وأنتِ تريدينَ أن تحتفظي بتاج الملِكاتْ..
لا بتاج الكلماتْ..
أنتِ امرأةُ العقل الذي يحسب حساباً لكلّ شيءْ
وأنا رجُلُ الشِعْر الذي لا يُقيم حساباً لأيِّ شيءْ..

تكتبين الشعر.. وأوقع أنا.._نزار قباني


1
ليس لي القدرةُ على تغييرك
أو على تفسيركْ..
لا تُصدّقي أنَّ رجلاً يمكنه تغييرُ امرأهْ..
وباطلةٌ دعاوى كلِّ الرجال الذين يتوهّّمونْ،
أنهمْ صنعوا المرأةَ من أَحَد أضلاعِهِمْ..
المرأةُ لا تخرجُ من ضِلْع الرَجل أبداً..
هو الذي يخرجُ من حَوْضِها..
كما تخرجُ السَمَكَةُ من حَوْض الماءْ
وهو الذي يتفرَّعُ منها،
كما تتفرَّعُ السواقي من النَهْر..
وهو الذي يدورُ حولَ شَمْس عَيْنَيْها..
ويتصوَّرُ أنَّهُ ثابتٌ في مكانِهْ..
2
ليس لي القدرةُُ على تعليمكِ أيّ شيءْ..
فنهداكِ دائِرَتا مَعَارفْ..
وشفتاكِ هما خلاصةُ تاريخ النبيذْ
إنّكِ امرأةٌ مكتفيةٌ بذاتها
زَيْتُكِ منكِ..
وقمحُكِ منكِ..
ونارُكِ منكِ..
وصيفُكِ وشتاؤكِ..
وبَرْقُكِ ورعدُكِ..
ومَطَرُكِ وثلجُكِ..
ومَوْجُكِ وزَبَدُكِ .. كلُُّها منكِ..
ماذا أُعلّمكِ يا امرأهْ؟
مَنْ يستطيع أن يٌقْنِعَ سنجاباً بالذهاب إلى المدرسَهْ؟
مَنْ يستطيع أن يقنِعَ قِطَّاً سياميّاً بالعزف على البيانو؟...
مَنْ يستطيع أن يُقنِعَ سمكةَ القِرْشْ..
بأن تُصبحَ راهبَهْ..
3
ليس لي القدرةُ على ترويضكِ..
أو تَدْجينِكِ ..
أو تهذيبِ غرائزكِ الأُولى.
هذه مهمّةٌ مستحيلَه..
لقد جرّبتُ ذكائي معكِ..
وجرّبتُ أيضاً غَبَائي..
فلم تنفعْ معكِ هدايةٌ ولا غِوايَهْ..
خَلّيكِ بدائيةً كما أنتِ..
خَلّيكِ مِزَاجيَّةً كما أنتِ..
خَلِّيكِ هجوميَّةًً كما أنتِ..
ماذا يبقى من إفريقيا؟...
إذا أخذنا منها نُمُورَها.. وبَهَاراتِها..
ماذا يبقى من جزيرة العربْ؟
إذا أخذنا منها..
مَجْدَ النفْْطِ..
ومَجْدَ الخيل!!
4
ليس لي القدرةُ على كَسْرِ عاداتِكْ..
هكذا أنتِ منذ ثلاثين سَنَهْ
منذُ ثلاثمِئةِ سَنَهْ..
منذُ ثلاثةِ آلافِ سَنَه..
إعصارٌ محبوسٌ في زٌجاجَهْ..
جَسَدٌ يتحسَّسُ رائحةَ الرَجُل بالفِطْرَهْ..
ويهاجمه بالفِطْرَهْ..
وينتصرُ عليهِ بالفِطْرَه..
فلا تُصَدِّقي ما يقولُهُ الرجلُ عن نفسِهْ،
بأنه هو الذي يصنعُ القصائدْ..
ويصنعُ الأطفالْ..
إن المرأةَ هي التي تكتُبُ الشّعْرْ..
والرجلُ هو الذي يوقِّعُهْ..
والمرأةُ هي التي تنجبُ الأطفالْ..
والرجلُ هو الذي يُوقِّعُ في مستشفى الولادَهْ..
بأنّه أصبحَ أباً.!!
5
ليس لي القدرةُ على تغيير طبيعتِكْ..
لا كُتبي تنفعُكِ..
ولا قَنَاعَاتي تُقْنِعُكِ..
ولا نصائحي الأبويَّةُ تفيدكْ..
أنتِ ملكةُ الفوضى، والجُنُون، وعَدَمِ الانتماءْ
فظلِّي كما أنتِ..
أنتِ شَجَرةُ الأنوثة التي تكبُرُ في العُتمَهْ..
ولا تحتاجُ إلى شمسٍ وماءْ..
أنتِ أميرةُ البحر التي أحبّتْ كلَّ الرجالْ
ولم تُحبَّ أَحَداً..
وضاجَعَتْ كلَّ الرجال.. ولم تُضَاجعْ أحداً..
أنتِ البدَويَّةُ التي ذَهَبَتْ مع كلِّ القبائلْ
وعادتْ عذراءْ..
فَظَلّي كما أنتِ..

عاشقة ترتدي غابة_غادة السمان


أيها الشقي، مازلت حين أكتب اسمك
يهطل المطر فجأة على الورقة..
كيف أتقمص أجنحة النوارس
لأطارد مراياك وظلالك؟
كيف خبأت دمك عني،
وسجنت عواصفك وأمطار جنونك داخل القمقم؟
***
وهل تنزف في البحر،
فيولد المرجان؟
وهل تركض على الشواطئ
وجسدك يسوِّر الأمواج،
فيولد المد والجزر راكضين بأمزجتك؟
كيف أقلع بالليل إليك
لأسطو على نومك؟
كيف أرتدي الغابة،
وأستولي على نافذتك بالأشجار..
وأقول لك: أحبك،
قبل أن يغتالني حرس "احتياطاتك الأمنية" الزوجية؟..
وكيف أصير بحيرة،
تغمر تنهدات نومك..
وترتسم على صفحتها أحلامك المجنونة..
شرخاً من السواد، وربما زنابق مائية؟
وكيف أتقمص فزَّاع طيور،
وأحيك مؤامرة مع عصافيرك،
وأمضي بك إلى طرقات الريح،
لنهرول فوق الكلمات المتقاطعة لحبنا الغرائبي..
وأبوح لك بسرّي الهزلي:
ما زلت أحبك أيها الشقي!
***
كنت أعرف أنني سأحبك، منذ قرأت حروفك
فلقّحني حزنك، وأنجبت
كأية بومة أخرى متهورة..
***
علِّمني أيها الشقي،
كيف أنهمِر في زمنك
نقطة في آخر السطر؟

إذا... غادة السمان

إذا أحببتني ذات يوم،
سأرتبك... وأهيم على قلبي
مذعورة من عربات هداياك المفخّخة...
وسيَّافك المختبئ خلف الستائر المخملية لعذوبتك...
إذا أحببتني ذات يوم بصدق،
إذا هجرت نساءك من أجلي،
وأغلقت أبواب حريمك متعدد الجنسيات،
إذا لم تقيدني إلى الجدار،
إذا لم تتدخل في لون شعري وطول ثوبي،
إذا لم تملِ عليَّ مواعيدي،
ولم تكتب لي سيناريو أحلامي التي تريد أن أراها،
إذا لم تزرع جاسوساً في صمّامَ قلبي،
ولم تربط عدّاداً على أنفاسي،
إذا تركتني أصهل حرة كالريح،
قد أهديك ذاكرة الأيام الآتية.
... يا صديقي السياسي:
إذا كانت السياسة فن الممكن،
فالحب فن المستحيل...

مدائن الحنان غادة السمان


لا أريد أن يغطي الدم المشتعل مدني المسافرة داخل
الذاكرة...
لا أريد أن أراه يسيل منتقلاً من مدينة إلى أخرى،
نهراً من الهول يجرفنا...
لا أريد أن يتَحَوّل طرف قلمي الدقيق الذي أخطّ به هذه
السطور شوكةٌ في القلب ونبعاً للحزن...
لا أريد أن أعزف على غير أوتار الفرح في أعماقكم...
ولكن كيف،
وبيروت عشرات المدن الراكضة مرة واحدة في الذاكرة
بأزمنتها المتعددة؟
كيف أنسى بيروت التي لم تكن مدينة،
بل قارة؟!

أعز ما تملكه الفتاة_غادة السمان

حزني أرزة وحيدة على رأس جبل،
لا ممثلة ناجحة على مسرح شكسبيري...
حزني ضوء خفي يشعّ من رؤوس أصابع الأشجار ،
وليس ناراً تأتي علينا معاً...
حزني حديقتي السرية في مغاور روحي،
فالحزن أعز ما تملكه الفتاة، كالحرية،
ولن أشاطرك إياهما!
أستطيع أن أقاسمك الرغيف والكوخ،

أما الحزن والحرية
فيعاقرهما قلبي وحيداً كما الموت.

أميرة في قصرك الثلجي _غادة السمان

أين أنت أيها الاحمق الغالي ؟
ضيعتني لأنك أردت امتلاكي ! ....
* * *
ضيعتَ قدرتنا المتناغمة على الطيران معاً
وعلى الإقلاع في الغواصة الصفراء ...
* * *
أين أنت ؟
ولماذا جعلت من نفسك خصماً لحريتي ،
واضطررتني لاجتزازك من تربة عمري ؟
* * *
ذات يوم ،
جعلتك عطائي المقطر الحميم ...
كنت تفجري الأصيل في غاب الحب ،
دونما سقوط في وحل التفاصيل التقليدية التافهة ..
* * *
ذات يوم ،
كنتُ مخلوقاً كونياً متفتحاً
كلوحة من الضوء الحي ...
يهديك كل ما منحته الطبيعة من توق وجنون ،
دونما مناقصات رسمية ،
أو مزادات علنية ،
وخارج الإطارات كلها ...
* * *
لماذا أيها الأحمق الغالي
كسرت اللوحة ،
واستحضرت خبراء الإطارات ؟
* * *
أنصتُ إلى اللحن نفسه
وأتذكرك ...
يوم كان رأسي
طافياً فوق صدرك
وكانت اللحظة ، لحظة خلود صغيرة
وفي لحظات الخلود الصغيرة تلك
لا نعي معنى عبارة "ذكرى" ..
كما لا يعي الطفل لحظة ولادته ،
موته المحتوم ذات يوم ...
* * *
حاولت ان تجعل مني
أميرة في قصرك الثلجي
لكنني فضلت أن أبقى
صعلوكة في براري حريتي ...
* * *
آه أتذكرك ،
أتذكرك بحنين متقشف ...
لقد تدحرجت الأيام كالكرة في ملعب الرياح
منذ تلك اللحظة السعيدة الحزينة ...
لحظة ودعتك
وواعدتك كاذبة على اللقاء
وكنت أعرف انني أهجرك .
* * *
لقد تدفق الزمن كالنهر
وضيعتُ طريق العودة إليك
ولكنني ، ما زلت أحبك بصدق ،
وما زلت أرفضك بصدق ...
* * *
لأعترف !
أحببتك أكثر من أي مخلوق آخر ...
وأحسست بالغربة معك ،
أكثر مما أحسستها مع أي مخلوق آخر ! ...
معك لم أحس بالأمان ، ولا الألفة ،
معك كان ذلك الجنون النابض الأرعن
النوم المتوقد .. استسلام اللذة الذليل ...
آه اين أنت ؟
وما جدوى أن أعرف ،
إن كنتُ سأهرب إلى الجهة الأخرى
من الكرة الأرضية ؟ ...
* * *
وهل أنت سعيد ؟
أنا لا .
سعيدة بانتقامي منك فقط .
* * *
وهل أنت عاشق ؟
أنا لا .
منذ هجرتك ،
عرفت لحظات من التحدي الحار
على تخوم الشهوة ...
* * *
وهل أنت غريب ؟
أنا نعم .
أكرر : غريبة كنت معك ،
وغريبة بدونك ،
وغريبة بك إلى الأبد .

شبيهتهـا !! _أمل دنقل


انتظري !
ما اسمك ؟
يا ذات العيون الخضر و الشعر الثري
أشبهت في تصوّري
( بوجهك المدوّر )
حبيبة أذكرها .. أكثر من تذكّري
يا صورة لها على المرآة ، لم تكسر
حبيبتي – مثلك –
لم تشبه جميع البشر
عيونها حدائق حافلة بالصور
أبصرتها اليوم بعينيك
اللّتين في عمري ..
طفولة .. منذ اتّزان الخطو لم تنحسر
***
يا ظلّ صيف أخضر
تصوّري
كم أشهر و أشهر
مرّت و لسنا نلتقي
مرّت .. و لم نخضوضر
الماس في مناجمي
مشوّه التبلور
و الذكريات في دمى
عاصفة التحرّر
كرقصة ناريّة من فتيات الغجر
................................
لكنّني حين رأيت الآن صورة لها
في مهجري
أيقنت أنّ ماسنا ما زال
حيّ الجوهر
و أنّنا سنلتقي
رغم رياح القدر
و أنّني في فمك المستضحك المستبشر
أغنية للقمر
أغنية ترقص فيها القرويّات
في ليالي السّمر
***
يا ظلّ صيف أخضر
تصوّري
كم أشهر و أشهر
مغتربا عن العيون الخضر و الشعر الثريّ

البكاء بين يدي زرقاء اليمامة _أمل دنقل

أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ ..
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!
أسأل يا زرقاء ..
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟
كيف حملتُ العار..
ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ .. بالشيطانْ
لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..
تلعق من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !
تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان
لا اللَّيل يُخفي عورتي .. كلا ولا الجدران !
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ..
ولا احتمائي في سحائب الدخان !
.. تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين .. عذبةُ المشاكسة
( - كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادْق
فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادقْ
وحين مات عَطَشاً في الصحَراء المشمسة ..
رطَّب باسمك الشفاه اليابسة ..
وارتخت العينان !)
فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟
والضحكةَ الطروب : ضحكتهُ..
والوجهُ .. والغمازتانْ ! ؟
* * *
أيتها النبية المقدسة ..
لا تسكتي .. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً ..
لكي أنال فضلة الأمانْ
قيل ليَ "اخرسْ .."
فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
أجتزُّ صوفَها ..
أردُّ نوقها ..
أنام في حظائر النسيان
طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
وها أنا في ساعة الطعانْ
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
دُعيت للميدان !
أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن ..
أنا الذي لا حولَ لي أو شأن ..
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ،
أدعى إلى الموت .. ولم أدع الى المجالسة !!
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي .. تكلمي ..
فها أنا على التراب سائلٌ دمي
وهو ظمئُ .. يطلب المزيدا .
أسائل الصمتَ الذي يخنقني :
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
أجندلاً يحملن أم حديدا .. ؟!"
فمن تُرى يصدُقْني ؟
أسائل الركَّع والسجودا
أسائل القيودا :
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
أيتها العَّرافة المقدسة ..
ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ ..
فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار !
قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار ..
فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار !
وحين فُوجئوا بحدِّ السيف : قايضوا بنا ..
والتمسوا النجاةَ والفرار !
ونحن جرحى القلبِ ،
جرحى الروحِ والفم .
لم يبق إلا الموتُ ..
والحطامُ ..
والدمارْ ..
وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهارْ
ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسرِ،
وفي ثياب العارْ
مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات الناعسة !
ها أنت يا زرقاءْ
وحيدةٌ ... عمياءْ !
وما تزال أغنياتُ الحبِّ .. والأضواءْ
والعرباتُ الفارهاتُ .. والأزياءْ !
فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
كي لا أعكِّر الصفاء .. الأبله.. المموَّها.
في أعين الرجال والنساءْ !؟
وأنت يا زرقاء ..
وحيدة .. عمياء !
وحيدة .. عمياء !

الاثنين، 24 أغسطس 2009

العينان الخضراوان _امل دنقل


العينان الخضراوان
مروّحتان
في أروقة الصيف الحرّان
أغنيتان مسافرتان
أبحرتا من نايات الرعيان
بعبير حنان
بعزاء من آلهة النور إلى مدن الأحزان
سنتان
و أنا أبني زورق حبّ
يمتد عليه من الشوق شراعان
كي أبحر في العينين الصافيتين
إلى جزر المرجان
ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان
و أنا أبحث عن مجداف
عن إيمان !
***
في صمت " الكاتدرائيات " الوسنان
صور " للعذراء " المسبّلة الأجفان
يا من أرضعت الحبّ صلاة الغفران
و تمطي في عينيك المسبّلتين
شباب الحرمان
ردّي جفنيك
لأبصر في عينيك الألوان
أهما خضراوان
كعيون حبيبي ؟
كعيون يبحر فيها البحر بلا شطآن
يسأل عن الحبّ
عن ذكرى
عن نسيان !
و العينان الخضراوان
مروّحتان !

خمس أغنيات إلى حبيبتي..! _أمل دنقل

على جناح طائر
مسافر..
مسافر..
تأتيك خمس أغنيات حب
تأتيك كالمشاعر الضريرة
من غربة المصب
إليك: يا حبيبتي الاميره
الأغنية الأولى
مازلت أنت.....أنت
تأتلقين يا وسام الليل في ابتهال صمت
لكن أنا ،
أنا هنـــــــا:
بلا (( أنا ))
سألت أمس طفلة عن اسم شارع
فأجفلت..........ولم ترد
بلا هدى أسير في شوارع تمتد
وينتهي الطريق إذا بآخـر يطل
تقاطعُ ،
تقاطع
مدينتي طريقها بلا مصير
فأين أنت يا حبيبتي
لكي نسير
معا......،
فلا نعود،
لانصل.
الأغنية الثانية
تشاجرت امرأتان عند باب بيتنا
قولهما علي الجدران صفرة انفعال
لكن لفظا واحدا حيرني مدلوله
قالته إحداهن للأخرى
قالته فارتعشت كابتسامة الأسرى
تري حبيبتي تخونني
أنا الذي ارش الدموع ..نجم شوقنا
ولتغفري حبيبتي
فأنت تعرفين أن زمرة النساء حولنا
قد انهدلت في مزلق اللهيب المزمنة
وانت يا حبيبتي بشر
في قرننا العشرين تعشقين أمسياته الملونة
قد دار حبيبتي بخاطري هذا الكدر
لكني بلا بصر:
أبصرت في حقيبتي تذكارك العريق
يضمنا هناك في بحيرة القمر
عيناك فيهما يصل ألف رب
وجبهة ماسية تفنى في بشرتها سماحة المحب
أحسست أني فوق فوق أن اشك
وأنت فوق كل شك
وإني أثمت حينما قرأت اسم ذلك الطريق
لذا كتبت لك
لتغفري
الأغنية الثالثة
ماذا لديك يا هوى
اكثر مما سقيتني
اقمت بها بلا ارتحال
حبيبتي: قد جاءني هذا الهوى
بكلمة من فمك لذا تركته يقيم
وظل ياحبيبتي يشب
حتى يفع
حتى غدا في عنفوان رب
ولم يعد في غرفتي مكان
ما عادت الجدران تتسع
حطمت يا حبيبتي الجدران
حملته ، يحملني ،
الى مدائن هناك خلف الزمن
اسكرته ، اسكرني
من خمرة أكوابها قليلة التوازن
لم افلت
من قبضة تطير بي الى مدى الحقيقة
بأنني أصبت،....اشتاق يا حبيبتي

شيء يحترق _أمل دنقل


شيء في قلبي يحترق
إذ يمضي الوقت ... فنفترق
و نمدّ الأيدي
يجمعنا حبّ
و تفرّقها .. طرق
***
.. ولأنت جواري ضاجعه
و أنا بجوارك ، مرتفق
و حديثك يغزله مرح
و الوجه .. حديث متّسق
ترخين جفونا
أغرقها سحر
فطفا فيها الغرق
و شبابك حان جبليّ
أرز ، و غدير ينبثق
و نبيذ ذهبيّ و حدي
مصطبح منه و مغتبق
و تغوص بقلبي نشوته
تدفعني فيك .. فتلتصق
و أمدّ يدين معربدتين
فثوبك في كفّي ..
مزّق
و ذراعك يلتفّ
و نهر من أقصى الغابة يندفق
و أضمّك
شفة في شفة
فيغيب الكون ، و ينطبق
...............
و تموت النار
فنرقبها
بجفون حار بها الأرق
خجلى !
و شفاهك ذائبه
و ثمارك نشوى تندلق

ضد من _أمل دنقل

في غُرَفِ العمليات,
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ,
لونُ المعاطفِ أبيض,
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات,
الملاءاتُ,
لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن,
قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ,
كوبُ اللَّبن,
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ..
يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ?
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاة من الموتِ,
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ,
***
ضِدُّ منْ..?
ومتى القلبُ - في الخَفَقَانِ - اطْمأَنْ?!
***
بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء..
الذينَ يرون سريريَ قبرا
وحياتيَ.. دهرا
وأرى في العيونِ العَميقةِ
لونَ الحقيقةِ
لونَ تُرابِ الوطنْ!

زهور _أمل دنقل


وسلالٌ منَ الورِد,
ألمحُها بينَ إغفاءةٍ وإفاقه
وعلى كلِّ باقةٍ
اسمُ حامِلِها في بِطاقه
***
تَتَحدثُ لي الزَهراتُ الجميلهْ
أن أَعيُنَها اتَّسَعَتْ - دهشةً -
َلحظةَ القَطْف,
َلحظةَ القَصْف,
لحظة إعدامها في الخميلهْ!
تَتَحدثُ لي..
أَنها سَقَطتْ منْ على عرشِها في البسَاتين
ثم أَفَاقَتْ على عَرْضِها في زُجاجِ الدكاكينِ

, أو بينَ أيدي المُنادين,
حتى اشترَتْها اليدُ المتَفضِّلةُ العابِرهْ
تَتَحدثُ لي..
كيف جاءتْ إليّ..
(وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ)
كي تَتَمني ليَ العُمرَ!
وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!
***
كلُّ باقهْ..
بينَ إغماءة وإفاقهْ
تتنفسُ مِثلِىَ - بالكادِ - ثانيةً.. ثانيهْ
وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!

لا تصالح _أمل دنقل


(1 )
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف -
همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي
- الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ -
مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ

شيزوفرينيا_نزار قباني

بيني وبينك علاقة حب صعبه
لا أُفكّرُ في مقاومتها..
أو الاحتجاجِ عليها..
فالحبُّ الكبير هو دائماً حبٌّ صعبْ
وليس صحيحاً أنّه يأتينا على عَرَبةٍ تَجرُّها الملائِكَهْ..
وليس صحيحاً..
أنَّنا نجدُهُ مختبئاً كالقَمَر تحت شراشفنا..
أو كشامَةٍ زرقاءْ
تحت خاصرتنا اليُسْرى..
2
وكلامٌ لم يتعلَّم بعدُ.. كلَّ الكلامْ..
وذَهَباً.. وبهاراً هندياً..
بيني وبينك، كَهَنَةٌ.. وَعَرَّافُونَ.. وفَنَاجينُ قهوةٍ لم تُفتَحْ..
وعلاماتُ حُبٍّ قادمٍ..
تُشْبِهُ علاماتِ يوم القيامَهْ
ونُبُوءاتٌ عن أنهارٍ ستفيضْ..
وكنوزٍ ستتوهّجْ..
وأطفالٍ سيذهبونَ كلَّ صباحٍ إلى مدرسة البنفسجْ...
3
بيني وبينكِ طَقْسٌ رماديٌّ يميلُ إلى المطَرْ..
وأنا أشتهيكِ تحت المَطَرْ..
وَبَعدَ المَطَرْ..
أعشابَ البراري..
بيني وبينكِ حالةٌ من الشِعْر لم أكتُبها بعدْْ..
وحالةٌ من النُبُوءة لم أُبَشِّرْ بها الناسَ بعد..
وحالةٌ من الانخطافِ..
تجعلني سيّدَ الدراويشْ..
بيني وبينكِ أسئلةٌ لا أُريدُها أن تُجابْ..
وتناقضاتٌ جميلةٌ ليس من مصلحة الحُبّ أن تنتهي..
وخصوماتٌ طفوليةٌ..
ليس من مصلحة الشِّعْر أن تُحسَمْ..
وعاداتٌ صغيرَهْ..
تتسلّقُ على رُفُوف الكُتُبْ.. وورقِ الجدرانْ..
وتترسَّبُ مع البُنّ في فناجين القهوَهْ..
4
بيني وبينكِ فضيحةٌ غيرُ مُعْلَنَهْ..
وزلازلُ مجهولةُ التوقيتْ..
وجريمة عِشْقٍ قابلةٌ للتنفيذ في أيَّة لحظَهْ..
بيني وبينكِ شوارعُ نِصفَ مضيئَهْ..
وقطاراتٌ ليليَّةٌ أسمعُ صفيرَها.. ولا أراها..
وأَهْذِي في نَوْمي..
5
بيني وبينكِ بلادٌ من العَطَشْ..
ومُنحرِفونَ شِعْرياً.. وجِنْسياً يرفضونَ أُنوثتَكِ..
كما يرفضونَ قَصَائدي..
بيني وبينكِ طغاةٌ .. ومُخْبرونَ.. ومراكزُ قوىْ..
وشركاتٌ مساهَمَةٌ لمكافحة الحُبّ، والثورة، والكتابَهْ..
بيني وبينكِ..
ونساءٌ.. يبعنَ أساورَهُنَّ..
ويقطعنَ أيديَهنَّ من أجل الشِّعْرْ..
6
بيني وبينكِ..
مجتمعٌ من الصيارفة لا يمكن اختراقُهْ..
ومجتمعٌ من البطاركَهْ..
لا يعترفُ حتى الآن بشرعيّة عينيكِ..
وفُقَهاءُ..
ومُجْتَهدونَ..
ومُفَسِّرونْ..
وشَطْبَ شعري من مناهج وزارة التربيَهْ..
بيني وبينكِ..
مجتمعٌ من الصيارفة لا يمكن اختراقُهْ..
ومجتمعٌ من البطاركَهْ..
لا يعترفُ حتى الآن بشرعيّة عينيكِ..
وفُقَهاءُ..
ومُجْتَهدونَ..
ومُفَسِّرونْ..
قرروا بإجماع الآراء سفكَ دمي
وشَطْبَ شعري من مناهج وزارة التربيَهْ..
حتى لا تتكحَّلَ به بَنَاتُ القبيلَهْ....

كيف؟_نزار قباني



1
كيفْ؟
أيُّ المفاتيح تفتحُ أبوابَ مملكتِك؟
أيُّ القصائد تدخلني إلى قاعة العَرْشْ؟
أي نوعٍ من النبيذْ..
أقدّمُهُ لرشوةِ حُرّاسِكْ؟
طبّقتُ عليكِ عُلُومَ الأوّلينَ والآخرينْ
وحكمةَ الفلاسفة.. وجُنُونَ المجانينْ..
لم أترُكْ كتاباً من كُتُب العشْقِ.. إلا تعاطيتُها..
ولا رياضةً هنديّةً للتغلّب على النفس..
إلا مارستُها..
فلا الأعشابُ الصينيَّةُ نفَعتْني..
ولا الطُقوسُ البوذيّةُ نفَعتْني..
ولا مؤلفاتُ العشق.. نفَعتْني..
أيّتها المرأةُ التي لم تكْتُبها الكُتُبْ..
2
التي يستعملها الرجالُ عادةً لاستمالة النساءْ
وإلى مستحضري الأرواح.. ففشلتْ..
حاولتُ أن أعاقبَكِ بالذهاب مع امرأةٍ أخرى..
فعاقبتُ نفسي..
دُلّيني على طريقةٍ أنتصرُ فيها عليكِ...
فكلّما ضربتُ نهديْكِ بالسياطْ..
تفجَّر الدمُ من جَسَدي..
3
أيّتها المرأة الموجودةُ في كلِّ شيءْ..
والقادرةُ على كُلِّ شيءْ..
لا ينفع هجرٌ ولا خيانَهْ..
كلّما دخلتُ إلى بيت امرأهْ.
خرجتِ إليَّ من وراء الستائرْ..
كلَّما مارستُ الحبَّ مع امرأةٍ أخرى..
حَبِلتِ أنتِ!!...
كلُّ الخيانات هي في مصلحتِكْ..
كلّما دخلتُ إلى بيت امرأهْ.
خرجتِ إليَّ من وراء الستائرْ..
كلَّما مارستُ الحبَّ مع امرأةٍ أخرى..
حَبِلتِ أنتِ!!...

قصيدة حبّ 1980_نزار قباني

يصبحُ دمي بنفسجيّاً..
تهجمُ كُريَّاتُ العشق على بقية الكُرَيَّاتْ
وتأكُلُها..
تهجُمُ الكِلْمةُ الأنثى على بقيّة الكلماتْ
وتطرُدُها...
ويكتشفونَ من تخطيط قلبي..
أنّهُ قلبُ عصفورْ..
أو قلبُ سَمَكَهْ..
وأن مياهَ عينيكِ الدافئهْ..
هي بيئتي الطبيعيَّهْ
والشرطُ الضروريّ لاستمرار حياتي..
2
عندما تصبحُ المكتباتْ
ويصبحُ مكتبُ البريدْ
حقلاً من النجوم.. والأزهار... والحروف المقصَّبَهْ
أَقَعُ في إشكالٍ لغويٍّ كبيرْ..
أسقُطُ من فوق حصان الكلماتْ
كرجُلٍ لم يَر الخيلَ في حياتِهْ..
ولم يَر النساءْ..
آخُذُ صِفْراً في الأدبْ
آخُذُ صِفْراً في الإلقاءْ
أرسبُ في مادّة الغَزَلْ
لأنني لم أستطع أن أقولَ بجملةٍ مُفِيدَهْ
كم أنتِ رائعهْ
وكم أنا مُقصِّرٌ في مُذاكرة وجهك الجميلُ
وفي قراءة الجزءِ العاشرِ بعد الألفْ..
من شعركِ الطويلْ...
3
إشتغلتُ عاماً كاملاً
على قصيدةٍ تلبسينها عام 1980
إلا هدايا القلبْ
إلا أساورَ حناني...
إثْنيْ عشَرَ شهراً.. وأنا أشتغِلْ
كدودة الحرير أشتغِلْ..
مرّةً بخيطٍ ورديّْ..
ومرّةً بخيطٍ برتُقاليّْ..
حيناً بأسلاكِ الذَهَبْ
وحيناً بأسلاكِ الفضَّهْ
لأفاجئكِ بأُغنيَهْ..
تَضَعينها على كتِفَيْكِ كشالِ الكَشْمِيرْ..
ليلةَ رأس السَنهْ..
وتُثيرينَ بها مُخيّلةَ الرجال.. وغيرةَ النساءْ..
4
إثنيْ عشر شهراً..
وأنا أعملُ كصائغٍ من آسيا..
في تركيب قصيدةٍ..
تليقُ بمجد عينيكِ..
والياقوتةَ بالياقوتَهْ..
وأصنعُ منها حَبْلاً طويلاً.. طويلاً من الكلماتْ
أضعُهُ حول عُنُقكِ.. وأنا أبكي...
إثنيْ عشَرَ شهْراً
وأنا أعملُ كنسَّاجي الشامْ
وفلورنسا.. والصين.. وبلاد فارسْ..
في حياكة عباءةٍ من العِشْقْ..
لا يعرفُ مثلَها تاريخُ العباءاتْ..
ولا تاريخُ الرجالْ..
5
إثني عشر شَهْراً..
وأنا في أكاديميّة الفُنُون الجميلَهْ
أرسُمُ خيولاً بالحبرِ الصينيّْ
تشبِهُ انفلاتَ شَعْرِكْ
وأعجنُ بالسيراميك أشكالاً لولبيَّهْ
تشبهُ استدارةَ نهديْكِ..
وعلى الزجاج رسَمتْ..
صنعتُ الأصواتَ التي لها رائحهْ..
والرائحةَ التي لها صوتْ..
ورسمتُ حول خصرك ريحاً بالقلم الأخضَرْ..
حتى لا يخطر بباله أن يصبح فراشةً.. ويطيرْ
إثنيْ عشر شهراً..
وأنا أكسر اللغةَ إلى نصفينْ..
والقَمَر إلى قمرينْ..
قَمَرٍ تستلمينَهُ الآنْ..
وَقَمَرٍ تستلمينَهُ في بريد عام 1980
صنعتُ الأصواتَ التي لها رائحهْ..
والرائحةَ التي لها صوتْ..
ورسمتُ حول خصرك ريحاً بالقلم الأخضَرْ..
حتى لا يخطر بباله أن يصبح فراشةً.. ويطيرْ
إثنيْ عشر شهراً..
وأنا أكسر اللغةَ إلى نصفينْ..
والقَمَر إلى قمرينْ..
قَمَرٍ تستلمينَهُ الآنْ..
وَقَمَرٍ تستلمينَهُ في بريد عام 1980

سأقول لكِ أحبّكِ

سَأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه
فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ..
عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي..
في تغيير حجارة هذا العالمْ..
وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ..
شجرةً بعد شَجَرَهْ..
وكوكباً بعد كوكبْ..
وقصيدةً بعد قصيدَه..
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري..
ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه يمرُّ برئتيَّ أنا..
وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة..
هي يدي أنا..
سأقولها، عندما أصبح قادراً،
على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري،
ومراكبي الورقيَّهْ..
واستعادةِ الزَمَن الأزرق معكِ على شواطيء بيروتْ..
حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي..
فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ،
بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصيفْ..
3
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
وسنابلَ القمح حتى تنضجَ.. بحاجةٍ إليكِ..
والينابيعَ حتى تتفجَّرْ..
والحضارةَ حتى تتحضَّرْ..
والعصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ..
والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم..
وأنا أمارسَ النُبُوَّهْ
بحاجةٍ إليكِ..
4
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدَهْ..
ويصبح النومُ على وَرَقة الكتابَهْ
ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ..
خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ..
ولا أن أدخلَ في حوارٍ مع جسدٍ لا أعرفُ أن أتهجَّاهْ..
كَلِمَةً كَلِمَهْ..
ومقطعاً مقطعاً...
إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ..
لكنَّ طبيعتي ترفضُ الأجسادَ التي لا تتكلَّمُ بذكاءْ...
والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلَهْ..
إن شَرْطَ الشهوَة عندي، مرتبطٌ بشَرْط الشِّعْرْ
فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها..
وأموتُ عندما أنساها..
5
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
عندما أبرأُ من حالة الفُصَام التي تُمزِّقُني..
وأعودُ شخصاً واحداً..
سأقُولُها، عندما تتصالحُ المدينةُ والصحراءُ في داخلي.
وترحلُ كلُّ القبائل عن شواطيء دمي..
الذي حفرهُ حكماءُ العالم الثالث فوق جَسَدي..
التي جرّبتُها على مدى ثلاثين عاماً...
فشوَّهتُ ذُكُورتي..
وأصدَرَتْ حكماً بِجَلْدِكِ ثمانينَ جَلْدَهْ..
بِتُهْمةِ الأُنوثهْ...
لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..
ورُبَّما لن أَقولَها غداً..
فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ
والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..
والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..
فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..
لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.
بِتُهْمةِ الأُنوثهْ...
لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..
ورُبَّما لن أَقولَها غداً..
فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ
والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..
والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..
فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..
لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.

هل تجيئين معي إلى البحر؟ _نزار قباني


1
هل تهرُبين معي من الزَمَن اليابسِ إلى زَمَن الماءْ؟
فنحنُ منذُ ثلاثِ سنينْ
لم ندْخُلْ في احتمالات اللون الأزرقْ
لم نُمْسِكْ بأيدينا..
أُفُقاً..
أو حُلُماً.. أو قصيدَهْ..
لقد جعلتْنا الحربُ الأهليَّةُ حيوانيْنِ بَرِّيَيْنْ
يتكلمَّانِ دونَ شهيَّهْ..
ويتناسلانِ دونَ شهيَّهْ
ويلتصقانِ ببعضهما بصَمْغ العادات المُكْتَسَبَهْ
قهوتي التُركيّةُ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ..
وحَمَّامُكِ الصَبَاحيُّ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ..
ولونُ مناشِفِكِ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ....
فلماذا لا تلبسينَ قُبَّعَةَ الشمسْ؟
وتأتينَ معي..
إنّني ضجرتُ من هذه العلاقة الاكاديميَّهْ
التي أعْطَتْكِ شكلَ النساءِ المتزوجاتِ دونَ حُبّْ
وأعطتْني..
شَكْلَ القصيدة العَمُوديَّهْ...
***
2
هَشَّةٌ.. وقابلةٌ للكَسْرْ..
تَتَشَابَهُ كمنشورٍ سياسيّْ
كلُّ أنواع الكحولْ..
لها مَذَاقٌ واحدٌ.. ومفعولٌ واحدْ..
كلُّ الطُرُقاتِ إلى نهدَيْكِ
تُؤدّي إلى الانتحارْ..
فلماذا.. لا نخرجُ إلى البحرْ؟
إنَّ البحرَ لا يكرِّرُ نفسَهْ..
ولا يُعيد كتابةَ قصائِدِهِ القديمَهْ..
البحرُ.. هو التغيُّرُ والولادَهْْ..
وأنا أريدكِ أن تتغيَّري.. وأن تُغيِّريني..
أريدُ أن ألِدَكِ.. وأن تلِدِيني..
أريدُ أن تَنْقُشيني بالخَطِّ الكُوفيِّ على جِلْدكْ
كما تنقشُ المرأة العاشقةُ..
إسمَ رَجُلِها على صدرها..
قبلَ أن يذهبَ إلى الحربْ..
أريدُ أن أمشي معكِ تحت شجر الشِّعْرْ..
وأضَعَ في يَدَيْكِ الصغيرتينِ أساورَ الشِّعْرْ..
أريدُ أن أطلقَ سراحَكِ من هذه الزَنْزَانَة العربيَّهْ
التي أعطتكِ شكل النساء المتزوجات دون حُبّْ..
وأعطتني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ...
3
لقد انفجرتْ بيروتُ بين أصابعي..
كَدَواةٍ بنفسجيَّهْ..
فساعديني على ترميم وجهي..
فاللغةُ قطارٌ ليليٌّ بطيءْ
ينتحر فيه المسافرونَ من شدّة الضَجَرْ
فتعاليْ نطلقِ النارَ على الأحرف الأبجديَّهْ..
ألا يُمكنني أن أُحِبَّكِ خارج المخطوطات العربيَّهْ؟
وخارجَ الفَرَمَانات العربيَّهْ..
وخارجَ أنظمة المرور العربيَّهْ..
وخارجَ الأوزان العربيَّهْ..
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ألا يمكنني أن أجلس معكِ في الكافيتيريا؟
دونَ أن يجلس معنا أمرؤ القيْسْ؟
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ألا يمكنني أن أدعوكِ للرقصْ؟
دون أن يرقصَ معنا البُحتريّْ..
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ثمَّ.. ألا يمكنني أن أوصلكِ إلى منزلك في آخر الليل..
إلاّ بحراسة رجُلِ المُخَابرات عنترةَ العبسيّْ..
آهٍ.. كم هو مُتْعِبٌ أن أتغزَّلَ بعينيكِ..
وأنا تحتَ الحراسَهْ..
وأتجوَّلَ في ليل شعرك.. وأنا تحت الحراسَهْ....
آهٍ.. كم هو مُتْعِبٌ..
أن أُحِبَّكِ بين فَتحَتَيْنِ..
أو هَمْزَتَيْنِ..
أو نُقْطَتَيْنْ..
فلماذا لا نرمي بأنْفُسِنا من قطار اللغَهْ.؟
ونتكلَّم لغة البحرْ؟
4
هل تجيئينَ معي إلى البحرْ؟
لنحتمي تحت عباءته الزرقاءْ.
لقد تفكَّك الزمنُ بين أصابعنا
وتفكَّكت عناصرُ عينيكِ..
فساعديني على لَمْلَمَتِكِ.. ولملمة شَعْرِكِ الذي ذَهَبَ ولم يترك لي عنوانَهْ..
فأنا أركضُ .. وهو يركض أمامي كدجاجةٍ مذبوحَهْ..
ساعديني في العثور على فمي..
فقد أخذتِ الحربُ دفاتري وخَرْبَشَاتي الطفوليَّهْ
أخذتِ الكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلكِ أجملَ النساءْ
والكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلني أعظمَ الشعراءْ..
هل أبوحُ لكِ بسِرٍّ صغيرْ؟
إنني أصيرُ قبيحاً عندما لا أكتُب..
وأصيرُ قبيحاً عندما لا أعشَقْ..
فساعديني على استعادة المجديْنْ..
مَجْدِ الكتابةِ.. ومَجْدِ العشقْ..
5
هل تدخلينَ معي في احتمالات اللون الأزرقْ..
واحتمالات الغَرَق والدُوارْ..
واحتمالات الوجه الآخرِ للحُبّْ..
لقد دمّرتْني العلاقةُ ذاتُ البُعْد الواحدْ
والحوارُ ذو الصوت الواحدْ..
والجِنْسُ ذو الإيقاع الواحدْ..
وتلبسينَ جلْدَ البحرْ؟
وتلبسينَ جُنوني...
لماذا لا تخلعينَ ثوبَ الغبار.. وتلبسينَ أمطاري؟..
لقد تكدَّسَ على شفاهنا شوكٌ كثيرٌ.. وضجَرٌ كثيرْ
فلماذا لا نثورُ على هذه العلاقة الأكاديميَّهْ..
التي أعْطَتْكِ شَكْلَ النساءِ المتزوجاتْ..
وأعطَتْني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ!!..
لماذا لا تخلعين جلدكِ..
وتلبسينَ جلْدَ البحرْ؟
لماذا لا تخلعينَ طقْسَكِ المعتدلْ؟.
وتلبسينَ جُنوني...
لماذا لا تخلعينَ ثوبَ الغبار.. وتلبسينَ أمطاري؟..
لقد تكدَّسَ على شفاهنا شوكٌ كثيرٌ.. وضجَرٌ كثيرْ
فلماذا لا نثورُ على هذه العلاقة الأكاديميَّهْ..
التي أعْطَتْكِ شَكْلَ النساءِ المتزوجاتْ..
وأعطَتْني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ!!..