الاثنين، 14 يناير 2019

محمد الغول ... ليس للصياد ان يُفتن بفريسته

ليس للصياد أن يُفتن بفريسته
---------

- ازيك.. أنت كويس؟
قالتها وهي تلملم أشياءها، قبل أن تنصرف مسرعةً حتى قبل أن تتلقى الرد مني، غير أنها - وللأمانة - أردفت بصوت عالٍ: «يا رب دايمًا»، وهي تعبر الباب، ثم أتبعتها بـ«باي» ورحلت مخلفة عطرًا فرنسيًّا وجبلًا من الهمِّ المعتمل في صدري.

ظلت عيناي تتابعان خطواتها من باب غرفة مكتبي حتى باب المصعد.. كنت أراقبها كأسدٍ جريحٍ يتضور جوعًا، لكنه لا يقوى على الإمساك بهذه الغزالة التي تتفنن في إثارة كل خلية من خلايا جسمه، لتشعل في أحشائه نارًا لن تنطفأ.

هي تعلم أنها غزالة..

هي تعلم أنني أسدٌ جائعٌ.. وجريحٌ..

في كل المرات التي هممت باقتناصها، كانت تنظر في عيني.. تصوب سلاحها إلى وجهي وتطلق سيلًا من الضحكات، ثم تتوقف لتشاهد العرض..

ليس عليها سوى أن تفتح نيرانها صوب عيني، ثم تجلس على أريكتها لتشاهد الجبل وهو يتلاشى كزبد البحر، بينما هي تبرد أظافرها في هدوء أنثى تعرف مَواطِن قوتها ومَواطِن ضعف غريمها..

ليس للصياد أن يفتن بفريسته.. وإن حدث فويل له إن تنبهت هي للأمر، ساعتها سيصبح هو قطعة من الصلصال في يد طفلة عابثة تعشق خلط الأشلاء لتصنع مسخًا يأكل نفسه.

يا صغيرتي.. مازلتُ أتذكر مرتنا الأولى، حينها كنتِ غزالة لم تتفتح عيونها بعد.. وكنتُ أنا جائعًا كما لم أكن يومًا.. لكنني قاومت الصراخات داخلي.. وأدتُ الرغبة التي كانت تنمو كشجرة لبلاب في شراييني.

ساعتها تحولتُ إلى رجل إطفاء يحاصر شهوته بكل المياه المتكسرة على عينيك، ثم جمعت الرماد لأنثره عن يميني وعن شمالي، محصنًا نفسي من فتنتك..

والآن، أنا المفتون.. أنا الأسد الجائع في حضرة الفريسة، لكنني جريح..
يا غزالتي.. ما بين «ازيك» إلى «يا رب دايمًا» وجع بحجم «المشتري»، ملتهب كالشمس، حزين كالقمر، يتساقط كزخات الشهب..

غزالتي..
أما كان لكِ أن تبقي قليلًا لتشاهدي العرض الأخير!
تمهلي وأعدك أن تتسلي وأنت تشاهدين صيادك وقد بات فريستك.. حتمًا ستعجبك رقصته الأخيرة.. ستطربين لصوته المتكوم في قاع البئر.. سيهتز قلبكِ على إيقاع نبضاته.. سترتوين من دمه الساخن دومًا كخبز العجائز..

تملهي، فما بين «ازيك» إلى «يا رب دايمًا» تاريخٌ من الألم يسابق الحطاب لينقش حروفه على جذع الشجرة الأخيرة.
غزالتي.. تذكري، «ليس للصياد أن يفتن بفريسته».