الاثنين، 21 ديسمبر 2009

إسم مرادف للألم

شتاءٌ قديمٌ

وغُرْفَةٌ بشحوبِ الدمعةِ

تتطايرُ في رعشةِ جدرانِها فراشاتٌ سوداء.

ظلالُ كلماتٍ عابرةٍ،

إسمٌ مرادفٌ للألم.

أينَ ينامُ

في عاصفةٍ كهذِهِ

أطفالُ الشوارعِ

وكلابُها

والقِطَطُ؟.

أُنْصِتُ.

أمطارٌ بغزارةِ الدمْعِ،

طَرقاتٌ مُوحِلةٌ

على قضبانِ نافذةٍ مُوصدةِ الأصابعِ

سيُشقِّقُ البردُ أكُفَّها.

في داخلي جدرانٌ

و أجنحةٌ قاتمةٌ تتخبَّطُ

لعلَّها تُغادِرُ جثثَ الطيورِ في عيني.

مصباحٌ عاجزٌ

في أقصى العتمةِ

يرتجفُ،

زجاجًا رهيفًا من جلدِ القمرِ

صفيحًا صدِئَ في تجاعيدِهِ النورُ.

أغفو

طينًا مالِحًا

تعبَ مدينةٍ تؤرجِحُها الرياحُ

بينَ جُرْحِ جبلٍ

و بحرٍ غريق.

بصوتٍ بمذاقِ السكَّرِ، أحلُمُ

بشجرةِ تُفَّاحٍ

يُقَبِّلُ المحرومونَ من فاكهةِ الفرحِ خدودَها.

ظلاًّ لمصباحي، أنطفئُ

أنينًا مخنوقًا يصرخُ:

"لا تُغْمِضي

أيَّتُها المرآةُ

أيَّتُها المرأةُ العاريةُ في مَسامِ الحجر

أريدُ أن أسمعَ الشمسََ

ترقصُ في عينيكِ."

فتحات في الهواء

اللحنُ يفضحُ عازفَهُ

و للمفاتيح

دائمًا

أبواب.ُ

لكَ أن تُحكِمَ النافذةَ

أن تهشَّ جناحََ الروحِ

كذبابةٍ.

سأدخلُ

من فتحاتٍ في الهواءِ

و تزاحمُك على البيانو أصابعي.

للضحكِ خفَّةٌ خادعة

مثلما لحروفك أقنعتها.

ظلُّ النمرِ

على جدارك

يرتعشُ.

يكفي

أن أعرفَ

أنَّك هنا

و أنَّ الفاصلةَ التي بين إسمينا

ملاكٌ محايد.

كوكب أحمر

ما عادَتْ لي رغبةٌ في أرض.

بلادُ اللهِ ما عادَتْ واسعة،

الأرواحُ أيضًا ضاقَتْ

كأحذيةٍ قديمة.

القارَّاتُ

القُرى

القلوبُ

قبائلُ من القتلةِ و القتلى.

الشمسُ جارحةٌ

و الليلُ، خُفَّاشًا، ينهشُ لحمَ النجومِ.

الجثثُ هنا

أكثرَ من الزهورِ

و ساقيةُ الدم

.لا تكُفُّ عن الدوران

عكّاز من أنين النايات

أَمُرُّ

كغريبةٍ

على ألمي.

أُمَرِّرُ السَهْمَ

على جُرْحِ الكوكبِ

لعلَّني أُلامِسُ وردتَهُ

و أتبعُ، كما في قافلةٍ، زئبقَها

الأرواحُ الهادرةُ في دَمِ الآلةِ

و في أسلاكِ العروق.

من مقعدٍ حافيَ الأقدامِ

أُحَدِّقُ في وهمي

عابرًا

من الرملِ

إلى غُبارِ الزمنِ

على عُكَّازٍ من أنينِ النايات.

جلدُهُ معطفي القديمُ،

في جيبِهِ

رسالةٌ من زمنٍ

كانت طوابعُهُ طيورًا

سُعاتُهُ كانوا يطرقونَ بأجنحةٍ لهفةَ الأبواب.

هو الأرضُ

في خطواتِها الأخيرةِ،

دمٌ قاتمُ

يُجَمِّدُ الحمامَ في كفَّيهِ.

أفتحُ نافذةً لا تعرفُ عن السماء شيئًا

و لا تتوقَّعُ، في هذا المُربَّعِ الخالي، مطرًا

أو صوتَ إنسان.

لكنَّكَ تُباغتُها

شِبْهَ جزيرةٍ

حيثُ لا أُفُقَ و لا مياه

غيمةً تضحكُ

على كَتِفِ العدمِ.

تُزْهِرُ الحافَّةُ

ببنفسجِ يديك،

تُربِكُ عُزلتي عصافيرُك.

تسأَلُ:

"أينَ قلبك؟"

بكُلِّ ما تبقَّى

من طفولةِ الكلمات.

أنتفِضُ

غزالةً حمراءَ

في غابةٍ من حروفٍ.

قلوبٌ صامتَةٌ، على رعشةِ الكلماتِ، تنهمِرُ.

رغم المفاتيح المتناسخة

لا تتلامسُ أصابعُنا

و العيونُ من زجاجٍ

لا ترى،

فقط تحلمُ.

الهياكلُ العظميّة

.لسنا إلاَّ قمصانها

إستعارات خادعة

كُلُّ شئٍ مُستعارٌ هُنا.

الجدارُ و النافذة،

ظلالُ السقفِ،

البابُ الخادعُ بين فراغين،

.إسمي و دمعةُ مِصباحِكْ

الروح في مصيدتها

أفترضُ فضاءً و أدخلُ

أدخلُ احتمالَ المكان

المكانُ الذي لا يتَّسعُ لشجرةٍ

لطائرٍ

لراحةِ يد.

على الكرسيِّ نفسِهِ

كلَّ ليلةٍ

و العالمُ من أمامي عابرٌ.

الفأرةُ في كفِّي

الروحُ في مصيدتِها.

بلوحِ زجاجٍ

أبدَلْتُ حياتي

و الشمسَ التي لم تدُم طويلاً

بأيقوناتِ مريم.

كُلَّ ليلةٍ

و من الكرسيِّ ذاتِهِ

أغادرُ جسمي و صوتي و الذاكرة.

أبتكرُ مخلوقاتٍ ناعمةً

تبدِّدُ رتابةَ المربَّعات

تضيءُ في الزوايا عزلتَها:

زهرةَ حائطٍ

غزالةً من عينِ الدمعِ تشربُ

قريةً من ترابٍ و قناديل.

لا أحملُ

إلاَّ عينيَّ

لأرى،

لأتلمَّسَ في الظلامِ كائناتِهِ

أشعلُ قلبي

مصباحًا كفيفًا.

الغريم

يشتعلُ

غيرةً

و جنونًا

من القبلاتِ التي توزِّعُها

أمامَ عينيهِ

على حوافِّ الفنجان.

الفنجانُ اللعينُ!

الفنجانُ المحظوظ!

كُلَّ صباحٍ

تعاودُهُ الخطَّةُ الشرِّيرةُ ذاتُها:

سيفلتُهُ من يدِهِ

و يصرخُ من أعماقِ البيت

كطفلٍ أسقطَ كوبَ الحليبِ سَهْوًا

مفتِّتًا غريمَهُ

على بلاطِ المطبخ البارد

راسمًا على وجهِهِ ابتسامةً محيِّرة:

انتصارٌ؟

أم اعتذار؟

لكنَّهُ يتراجعُ دائمًا

في اللحظةِ الأخيرةِ

و يوبِّخُ نفسَهُ بقسوةٍ و خجل

و هو يتخيَّلُ قبلاتِها الحلوة

مكسورةً

مرميَّة

في الكيسِ الأسود

وسطَ القاذوراتِ

و بقايا الطعام.

ضفيرة


تعانقْنا

في العتمةِ

كضفيرةٍ

.في شَعْرِ طفلة

قبَّلْتُ

دموعَكَ

.طويلاً

لامَسْتَ

يتمي

.بالماءِ

لمحتُ في عينيكَ

.أطفالاً يعبثونَ بكُراتِ الشمس



ذكريات

صديقتي

ترى ذكرياتها

أشباحًا

،أنا أراها ملائكةً

.و هنالك من لا يراها

زمن الوردة

يُحكى

أنَّ عاشقيْنِ

في زمنٍ قديمٍ

دُفنا في حفرةٍ واحدة.

لنتخيَّلَ المشهد:

هيكلانِ عظميَّانِ

مُمدَّدانِ جنبًا إلى جنبٍ

كما لو أنَّ الترابَ سريرٌ من عشبٍ

و الدودَ الذي ينهشُ اللحمَ الباردَ

فراشاتٌ تنقلُ القبلاتِ في رحيقِها.

هل قُتِلا؟

انتحرا معًا؟

أم أنَّهُما من ضحايا الكوليرا؟

تجاهلَ الرواةُ

عبرَ العصورِ

هذه التفاصيل العابرة

لتسطعَ

في الحكايةِ

وردةٌ حمراء

نبتَتْ

من الترابِ الذي احتضنَ العاشقيْنِ في عناقٍ أخيرٍ

جذورُها عظامُ أصابعِهِما

المتشابكةُ في الموتِ

كما في الحياة.

بعدَ ألفِ عامٍ تقريبًا

من زمنِ الوردة

و في زاويةٍ صغيرةٍ من جريدة

خبرٌ عن طائرةٍ تحطَّمَتْ

عن علبةٍ سوداء مفقودة

عن غوَّاصٍ من فرقةِ الإغاثة

عثرَ

في أعماقِ البحرِ

على ما يُشبِهُ وردةً حمراء:

يدانِ متعانقانِ

انفصلتا عن جسديْهما

دونَ أن تنفصلَ الواحدةُ عن الأخرى

دونَ أن يفترقَ العاشقان.

جناح

سأحملُ الطيرَ الأخضرَ

على كفّي

و أمضي

لعلَّ

ينبتُ لي

.جناحًا صغيرًا

قوس قزح

كُلَّما ابتسمَ الهلالُ

في ظلِّ نجمتيْنِ

عادتِ السماءُ

وجهًا،

و كُلَّما اختلسا تحتَ المطرِ قُبْلَةً

استعادَ الحبُّ

كما لو بمعجزةٍ

ألوانَهُ السبعة.

وردة الموت

في الوردةِ التي

تنبتُ من قلبِ التراب

.عطرُ موتانا

بيت من سُكَّر

بيتٌ من غرفةٍ واحدةٍ

واسعةٍ و بدفءِ قُبْلَة.

سريرٌ نصفُ غافٍ

يحلمُ

بنخلتيْنِ

تؤرجحانَهُ

تحتَ سقفٍ من نجوم،

خزانةٌ من خشبٍ و مرايا

تنتعِلُ

بقوائمِها الأربع

جواربُهُما المُهْمَلَة،

كنبةٌ كَسِلَة

تشاهدُ الرسومَ المتحرِّكة و تتثاءبُ

ملتحفةً بمعطفِهِ الأسود

و شالِها الملوَّن،

مكتبةٌ عجوز

تضمُّ الكُتُبَ

أطفالاً من ورقٍ

برفوفٍ كانت

في حياةٍ سابقةٍ

أغصانَها،

زاويةٌ للأكلِ،

زاويةٌ للرسمِ،

زاويةٌ لقططٍ مغرورةٍ تقدِّسُ النومَ و العزلة،

و في زاويةٍ من المطبخِ الصغير

الذي لا يصلحُ إلاّ لصناعةِ الحلوى

عاشقانِ ذائبانِ

كقطعتيْ سُكَّر

في العناقِ

و الضحك.

وردة الحواس

أمكنةٌ بعددِ أسمائك

و الأطفالِ الذينَ يكنسونَ بضحكاتِهِم الشوارعَ

كانَ عليّ أن أهدمَها

من أجلِ بيتٍ

يسكنك

كحُبٍّ

كحياةٍ

كمثلِ حكاياتي عن حُجُراتٍ جارحةِ الجدرانِ

و مقاهٍ ذرفتني مقاعدُها

دمعةً وحيدةً.

قلبي

ذلكَ المعولُ

قلبُكَ

هذا الحجر.

من أجلِ وردةِ الحواس

كانَ لا بُدَّ من خرابٍ هائلٍ.

دموع سوداء

ليلٌ ناصعٌ

على النوافذ

الحيطان

صوتِهِ الشاحبِ

شمعةً تحتَ المطر

و ظلالِ يديها المرتعشة.

ليلٌ ناصعٌ

و فجأةً

قطَّةٌ بكثافةِ غيمةٍ

بقتامةِ قلبِهِ حينَ تهدِّدُهُ بالهجر

بحجمِ قلبِها حينَ يخاف

تنقِّطُ على شرشفِ الليلِ نجومَ عينيها

دموعًا سوداء

من يكملُ الحلم؟

"جسرٌ خشبيٌّ أخضر

زوارقُ تضيءُ النهرَ و الشبابيكَ بعبورِها

معاطفُ بردانةٌ

بظلالِها العاريةِ

تكسو الأشجارَ و التماثيل.

في مرآةِ الماءِ

السوداءِ العميقة

وجهان ملتصقا الخدَّيْنِ و الدموع.

كأسانِ في نخبٍ أخير".

أفتحُ عينيَّ فجأةَ

على سقفٍ و شمسٍ و صُداع

ليختفي

في غبارِ الضوءِ

خلفَ أشباحِ الستائر

ليلٌ

و جسرٌ

و عاشقان.

ولدٌ جميلٌ

كانَ من الممكنِ أن ألتقيهِ في الحياة

لولا كُلِّ هذه الجدران خلفَ السنين.

بنتٌ تشبهُني

حينما كنتُ أشبهُ نفسي.

غادرتُهُما هناك

حيثُ الشارع الطويل

حيثُ المفرق

حيثُ حقيبة و رسالة و نجوم تتساقطُ فوقَ المطر.

هل افترقا فعلاً؟

أغمضُ

فاقدةً للنومِ

عاجزةً عن إعادتِهِما إلى بعض

إليَّ.

قلبي مثقوبٌ

وردتي مجروحة.

.أتوقَّفُ هنا

من يكملُ الحلم؟.

بقعة دم

تحت الطاولة مخبؤه

ينام واقفًا

مقيّدًا إلى الحائط

كحصان جدّها

في ظلّ نخلة بعيدة

عينان بنفسجيّتان

تضيئان كلّما حرّكته

مخلب بإصبعين

يعيد ورداتها

صغير العائلة يخاف صوته

الكبار يرتابون من زحفه نحو أقدامهم

عرائس طفولتهم كانت بلا أرواح لتلائمهم

أسقطه سلّم

مسحت أمّها عن طرف السجادة بقعة دم

لم يمسح أحد

و هي تدفنه في تراب الحديقة

.دموعها

دكّان الورد

دُكَّانٌ في شارعٍ مهجور.

قرميدُهُ ناياتُ ريحٍ،

أقدامُهُ ملحٌ ذائبٌ في المطر.

خلفَ الزجاج المُغَبَّش

أوانٍ فارغةٌ

شرائطُ غادرتْها الفراشاتُ

مقصٌّ ملطَّخٌ بدمِ زهرةٍ.

وردةٌ معلَّقةٌ على البابِ

تختصِرُ عناءَ الكلمات:

"كُنَّا نبيعُ الوردَ، هُنا".

طابع البريد: عصفور ميرو

ستصيبها أمراض الأطفال

و يصفرّ جلدها

آخذًا لون الورد الذي تحبّه

لون الصوص القطنيّ النائم على طرف السرير

لون شعره

الأمير الذي أحبّت ضحكته و اختفى

في صفحة أخيرة

من رواية

سيملؤها الفراغ بفراشاته البيضاء

و تكتشف

كمن يرى نفسه لأوّل مرة في مرآة

أنّ حياتها لا تشبهها

و أنّها أساءت فهم الغربة

زمنًا طويلاً

لا تحاولي"

لا النعناع و لا نصف الليمونة في ماء النارجيلة

سيعيدان إليك طعم الشتاء الماضي

الأغاني -أيضًا- عاجزة

فمك الذي لم يبح سوى بنصف الأسرار

عضو ناقص

لا كلام و لا قبل

"فقط ابتسامة صغيرة

ستبكي

حتّى تحوّلها الدموع

إلى غيمة

من عرشها الأزرق البعيد

ستراهم

بأحجامهم الحقيقية

بلا أسف أو حنين

ستصادق عصفور ميرو

و السمكة التي تغنّي

في مربّع من ورق

في زاوية صغيرة من روحها

ستعيد بناء المقهى القديم

ستحفر على بابه

ضحكةً من خشب الورد

إلى أحلامها

ستخرج

:و تعمل بالنصيحة

"العسل و قطع السكّر"

الشمس الذائبة في قلب كبير

أيام حلوة

.ربما