الأربعاء، 7 يوليو 2010

الجزر.. حريم البحر ____ احلام مستغانمي

الجزائر جمع جزيرة، و لكن ليس لهذا السبب وحده أحبّ الجزر، بل لعلاقتها الملتبسة مع البحر، الذي رأيت فيه دوما صورة للرجل الشرقي بفحولته و غيرته و تقلبات مزاجه.. و انتقامه الذي لا يعرف الرحمة.
منذ متى يُؤتمن البحر على جزيرة؟
فما بالك بجزر عزلاء سلّمت أمرها لمولاها البحر. بعضها كانت مطمئنة إلى وجودها في حوض محيط صدّقت أنّه "هادئ".. فغدرها. أكان عليها أن تحذر هذا الكائن "الهادئ" بالذات الذي لم يترك جزيرة ممّن ملكت أيمانه إلا و عاث فيها خراباً و دماراً؟

كيف لجزر تقع على حواف الصفائح الأرضيّة، داخل حلقة النار التي يحيط خصرها زنّار من البراكين الجوفيّة، ألّا تُغري البحر بممارسة نزعاته السادية بابتلاعها ذات صباح مجنون من صباحات التسونامي، أو إشعالها من جديد في ليلة حمراء، شهدت فيها الأرض زواجاً "مناف للطبيعة" بين الثلج و بركان، فأنجبا من حممها سحابة بركانيّة شلّت حياة نصف الكرة الأرضيّة..
هكذا أعلن البحر على الملأ عقد قرانه على آيسلاند!

فالبحر، ليس رجلاً جباناً، و لا عريساً مسياراً، هو أكثر شجاعة من أن يقبل بزواج عرفي، أو بعقد سريّ مع أنثاه. حين يضمّ جزيرة إلى حريمه لا خبر يغطّي على خبر زفافه. إنّه يتزوّجها و "يعاشرها" و يدمّرها بشهادة و على مرأى من سكان المعمورة. فليذهب الأثرياء الذين يقيمون أعراسهم على مدى سبعة أيام و سبع ليال إلى الجحيم. أعني إلى جحيم آيسلاند، ليروا أنّها وحدها أعراس البحر تصنع الخبر العاجل على مدى شهر و أكثر!

المقاولون الذين استثمروا ثرواتهم في الجزر الخلابة كان عليهم أن يطلبوا من البحر يد كلّ جزيرة على حدا قبل أن يسلّموها منتجعاً إلى السوّاح. لم يدركوا أنّ البحر رجل شرقيّ لا يقبل في الحبّ شراكة. و لأنّهم لم يروا شواربه المفتولة على طريقة جمال سليمان في "حدائق الشيطان" فقد أخطأوا في حساباتهم.

كيف صدّق البعض أنّ البحر جاهز للتفريط في حريم من الجزر؟ هو الذي ربّاها منذ التكوين على يده، و على زبده، لتكون جاهزة لمدّه و جزره، و وصاله و صدّه، لمداعباته المسائيّة.. كما لنوبات غضبه الخرافيّة.
لا أستاذ في الجغرافية تجرّأ بأن يخبرنا، أنّ الجزر ابنة البراكين البحرية، و شهقة البحر لحظة انصهار و وصال. حدث في سالف الأزمان أن قذف بها إلى الأعلى لتنطفئ أنثى على مهل، محتفظاً بنصفها السفلي رهينة نزواته السريّة.

المقاول الذي اشتراها، لا يملك منها سوى ما بدا، و ما أراد له البحر أن يملك. فخصرها لم يُخلص لغير حُضن البحر، جاهزا في أيّة لحظة للرقص على هزّات الزلازل. ذلك أنّ كل جزيرة تخفي خلف بهجة أشجارها المورقة، و هدوئها الأنثوي الكاذب.. حمما جاهزة للتدفق.. فما من جزيرة إلا و تجلس على هودج بركان. يا لحظّها!ـ



من مقالات زهرة الخليج