الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

على اعتاب الوعد (من كلماتي)



عندما طوتك الآفاق محمولا فوق أجنحة السفر.. عرفت أني أودع في ركبك زمن افراحي, وأني سأبقى بعدك كليل سرمدي حرام عليه النوم. عطشى كرمل الصحارى, أسقى من صهدي ومر صباري, في هاجرة الشوق تجف أيامي, وتتشظى هشيما تبعثره الرياح..
على أعتاب الوعد انتظرتك..
يريق عمري بهجة شبابه, وتهرق الروح طيب امانيها.في شرفات الحلم سهر القلب يلتمس لقاءك يطرز ثوب الفرح بخيوط الفجر, وينظم أغاني العرس من هزج العنادل وترنيم الكروان..
كالأطفال رسمت عينيك في كراساتي وعلى الجدران. زرعت ظلك في كل طريق اسير فيه,استدفأت بهمسك كلما عوت الرياح ببابي, وزئرت الرعود خلف نوافذي
التمس لك قلبي كل الأعذار..
ناب عنك خيالي في ألف شئ نسيته أو غاب عنك أن تفعله, فقرأ لي خطابات لم تكتبها, اهداني ورود وعصافير لم ترسلها, أخذني لمدن أحلام ما مرت لحظة بخاطرك, بنى لي أجمل قصر فوق غيمة بحرية تواعد الغروب.. اعزف على بابه لحن حنيني وأنا ارتقب موعد لا تدري به.
يلقي اليأس على دربي اسداله السوداء, فأوقد كلماتك قناديل أمل.
يهاجمني الصمت ويرميني بين براثن الوحدة والظنون فأنادي اسمك في وحشة الليالي الساكنة.
عتقت أوهامي واحتسيتها خمرا يصرع مخاوفي وشكوكي, وأنا أرى كل ليلة نجمة من سمائى تهوى,وحبة في عقدي تنفرط.. فأتعلل بدنيا ستجيئني بها محملة في قوافل اعياد.
اشهد أوراق عمري تتغضن وتتساقط يابسة… فأُمني النفس بعمر غض يلقاني يوم تؤوب إلي. امتصني الحرمان حتى آخر قطرة حياة في بدني, وخلفني حطام روح وخيال جسد وعيون ضارعة تتعلق بالأفق في ابتهال.
اتمسك بوعودك.. وسنيني تنطفئ أمامي, وتتبدد كسرب قطا يفر من الصياد.
ويوم زفوني لبشرى رجوعك.. كنت كالنبت الذابل يتوسل يوم الغيث, فأمطرتني الدنيا ياسمين وزنبق..
عطرتني اللهفة بأريجها الفاغم, واكتحلت بسواد كل ليالي سهادي في غيابك عني. تحررت جدائلي التي استطالت في بعادك بطول صبري وصبابتي, فغدت كظلال النخل ممتدة, لها منك وعد قديم, أن تظلك في قيظ الصيف, وتغطيك إذا الشتاء هجم ببرده وأصقاعه.
أشرقت زهرة عباد في دلسة استرسال الشعر, أزهرت على خدي ورود, وتيقظ فوق شفاهي جمر, اضاءت في دجى عيني منارتان تهتدي إليهما مراكب الفرح العائد, ونقشت بالخضاب حروف اسمك فوق كفوفي. ارتداني الشغف وطار بي إليك, اخف من ريشة تحملها نسمة تندت بشذا الوله, أجمل من فراشة جناحاها مهرجان ربيع تسكن حدائق النور.
نحوك سرت الروح شهاب بين النجوم ينطلق بلا زمن, كأنني موجة لفرط اشتياقها تطير إلي الشاطئ اخفق بجناحي هيامي يمامة تيمها العشق تائقة الي حماك


هل كان حلما أن أراك بعد أزمنة الجفاف تجئ مثلي ظمئ الحنين, مدمى الفؤاد بسيوف شوق غائرة حتى المقابض؟
هل ذاك بريق يلمع في سهوب خيالي ابصرت على مداه عينيك تبكي من فيض سعادتها إذ تراني, فتلقاني ضوءا في أخر نفق مظلم, وتغسل كفي بدمع جرحه طول النوى واجتر مرار اللوعة؟
هل كانت أصداء تتردد في فضاء عقلي, قادمة من أعمق رغبات نفسي أن أسمعك تناديني بروحك, وقلبك, وكل جوارحك.. قبل لسانك ؟
أن يهدر الاشتياق العاتي في دمك وتستقبلنى شرايينك وردة ذوبتها حرارة اللقاء بعد عصور الهجر؟
هل كانت تلك أماني صورتها تباريح الجوى واللهف المتقد كأخر وأجمل أنغام تعزفها نياط قلب يحترق؟
نعم..
هي أضغاث أحلام ومحض خيالات.. رؤى طفت من ابعد أوهام التمني,وأكثرها جمالا واستحالة.
وكلها تهاوت لحظة تلاقينا..
حين ابتلعني بحر ظلام ممتد في عيونك بعيد الغور.. لفتني أصقاع باردة تجمدت لها أنفاسي والدم الدافق في عروقي,وحتى الندى فوق شفاه زهوري.
فكأنني أنا القادمة من منطقة شوق استوائى اصطدم بجبل جليد. أنا المتقدة كشمس صيفية اسقط في إحدى بحيرات الشمال..
القشعريرة تسري في جسدي صعق كهربي مع مس أصابعك تحت قفازها الجلدي لكفي.. صوتك الآتي من أحراش غابات الثلج, من فضاء لم يعرف النور والدفء يسقط علي بكلمات لها وقع الماء على الجمرات, فاشعر بدخان انطفائي ينسال من بين أصابعي ومن تحت أطراف ثيابي.
في مكان ما بداخلي يتصدع تمثالك العملاق ويهوي كومة من رفات احلام ساذجة وأمنيات طيبة.
يحدث دوى هائل يتخافت ببطء, لأدرك باجتهاد أ
نه صوتك يخبرني عن أشياء كثيرة , طموحات عريضة تنتظرك في مدن رمادية ترتدي الضباب.
” امامك عالم تبنيه ”هكذا قلت.
” تبنيه وحدك ” هذا ما استنتجت.
لقد استئصلتني من أحلامك إذن.. في زحام مستقبلك الحافل اسقطت تاريخنا المشترك,وعهودك نسيت كسحب صيفية مرت ولم تترك اثر يعلق بذاكرتك التي أعدت بناءها في مدن الثلج فأخذت لونه وملمسه ودرجة حرارته.
زهوري الحمراء بين ذراعي نزيف جراح دامية.. دموع قلب ذبحته دون أن يرف لك جفن. تتسرب من يدي وتتناثر تحت قدميك فكأنك تطأ بخطاك فوق جروحي.. تسحقها دون اكتراث, برغمى تغافلني دمعة تنسل من اهدابى وتمتزج بكحلي تجرف في طريقها المفطور أشواقي وعذاباتي..

تركتها تسقط..
مثل كل أشيائي الجميلة التي سقطت.
تركتها تتحطم على صخور حقيقتك التي صفعت أمواجي الهائمة.
تراجعت مسفوحة الألم كشمس مغيب مضرجة بدماء الشفق. من بعيد يتردد نداؤك أجوف كصرخة نورس على صخر اصم..
بذات اللهف الذي كان إليك, أعدو لأبعد مكان عنك.. لآخر نقطة في الكون, لا أراك فيها ولا أسمعك.
على أعتابك يستوقفني حطام وعودك.. وأطلال قصور وهمي
للحظة تتقلب في صدرى مشاعر في الرمق الأخير تغالب الموت.. لحظة اسمع فيها رنيم أحلامي.. أراها في موكبها الضوئى تعلو كالنجوم.. مثل أسراب الحمام ترفرف وتتلاشى في نور الشمس.
حتى هذه اللحظة تحطمت أيضا,
ولم يبق منها سوى هشيم هامد على أعتاب وعدك المكسور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق