الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

ألّا تحزني _ريما العلي

لا عطرَ في الدنيا ينفثُ فيها روحك ..
وسادتك، تلك الّتي لم تحتضن رأسك منذ سنوات ..
لم تعد تضخُّ لرئتيها رائحتك !
يخنُقها غبارها،
وتخنقني فكرة أنّ الغبار هو رائحتك الآن !


امدُد يدك ..
امدُد يدكَ ودُلَّها إليها !
أنا لا أملكُ أصابعي لأفتح أزرارَ صدرها المُغلق وانفث فيه اسم الله، ولاأطرافي لأرْتق ثوب الفرح وأُلبسَها إياه،
ولا حتى صوتي لأصرخَ بالكون حولي "إلا أمّي" !!
أنا بالأصلِ لا أملكُ إلا هيْ ..!
ولا أستطيع أمام ضيقها إلا أن أتكوّر في زاوية ضعفي، أعلّق عينيّ مسبحةً لاستغفار شفتيها، روحي منديلاً لعرق الصبر الّذي سالَ من عينيها ،
وأرفعُ يديّ القصيرة .. فلا أطول السماء !
أنا بلا جدوى أمام حُزنها يا أبي ..
أنا العجز وقلّة الحيلة، وهي الّتي أصلح الله بها كلّ ما ارتكبهُ العمر، وأقام شأني ..
هي النعمة التي جاوَزت كلّ ابتلاء ..
الأخت الطيّبة ,
الصديقة النبيلة ,
والأُمّ حتّى نفادْ الذات .!
تحيكُ كلَّ صباحٍ معطفاً جديداً تدثّرني به عن حمّى الغياب،
تتلو آيات الذِكر، ثمَّ تمسح على جسدي وترسلني للنهار !
قُدسيّةُ العاطفة، ملائكيّةُ الرحمة، زمزميّةُ الطُهر ..
تقصّ عليّ روحها كلّ مساء، تغمض جفنيّ عن ظلام الحياة، وترسلني للنوم !
حوّاء الأولى، مريم النقيّة، آسية الصبور ..
المؤمنةُ جدّاًُ الـ أعراسها غفران، ومصائبها امتحان ..
المعلّق قلبها بالله، المسلِّمة لقدر فقدك، المستسلمة لناره ،!
تفرشكَ في ذاكرتها سجّادةً تُكِبُّ عليها كلّ ليلة وِتراً ..
تسيلُ في ثوبِ صلاتها الطاهر، يتدفقُ من جسدها نورٌ مالحٌ وفضّة !
يتصعّد من روحها سلّماً، وأطفالاً يتراكضون من فمها صوبَ السماء !
الأرملة، اليتيمة ..
لو كنت أمّها .. لوسّدتها يدي، هدهدت يُتمها، وخبّأتها في قلبي ..
لعلّقت تنهيداتها بأرجل العصافير وأطلقتُ أسراباً محبوسةً في صدرها ..
لو كنت أمّها، لـ كُنتُ كما هي الآن !
ولكنّني لن أكون،
سوى تفاهة العمر الّتي لا تكفي لأن تُدرك برِّها ..
ضِيق اليدِّ الّتي لا تتّسع لرضا روحك القادمة في ثُلثيّ الليل توشوِشُني العناية بها !
لن أكون سوى نُطفة المطر الّتي زرعها الله في الأرض الطيّبة، فكانت فضيلتها أنّها بعضكما ..
وسوءتها أنّها لم تكونكما بالكليّة !


أنا الـ كُنتُ أُحبّكَ ، وأُحبّها ..
أصبحت أحبّكما وأخافُ عليها ،
بشكلٍ كبيرٍ يا أبي ..
صلِّ لأن يشرح الله صدرها ,
وامدُد يدك ..
أمسك بيدها ..
سكِّن روحها التائهة ،
اغسل قلبها الكمِد ،
وصُبَّ الفجر في ليلها الأرمل
ثم أخبرها أنّي في الحياةِ الآخرةِ سأطلبُ الله أن أكونَ أُمّها ..!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق