الجمعة، 14 نوفمبر 2008

مازلت هنا (من كلماتي)

بعيد.. ومازلت هنا.
يطل وجهك من صورا لجدران الباسمة, من فوق الوسادة الخاوية, من مقعدك على رأس المائدة..من الأوراق المتناثرة على مكتبك... وكتابك المفتوح في ركنك الأثير..يومئ, مازلت هنا.
صوتك المشحون بالثورة وأنت تتابع الأخبار, حفيف الصفحات أثناء تصفحك الجريدة,أنغام صفيرك أمام المرآة تطوي رباطة عنقك, ارتشافك لقهوتك الصباحية, نقرات أصابعك على حافة النافذة وقت الغروب… دندنتك بلحنك المفضل.. تهمس.. مازلت هنا.
آلاف الذكريات تحيط بي.. تلاحقني, أنت لم تذهب.. لم تذهب. حملت مئات من أشيائك وقت رحيلك, وتركت آلاف مطلقة السراح. لم تغب ابتسامتك بعد.. مازال عبيرها يعطر المكان, همساتك تدفئ برد الغرف الشاغرة, صداها يتردد بنفس النغم العميق, المنساب من أوتار هارب مدوزن.
حتى دموعك.. الشامخة المهيبة, ظلت هنا.. خلف هذا الباب المغلق .لم أرها أبدا..لكني اعلم إنها هنا, منذ فرت ذات يوم من عواصم الكبرياء.

أربعة جدران تضم في أرجائها ألف حكاية لنا.. وألف ذكرى تجمعنا..توقف زماني لديها..

فها أنا ذا أقرئ عينيك في الفجر السلام , وأقوم لأعد لك الإفطار, ولا أنسى الصحيفة لتطالعها عيناك مع فنجان قهوتك المضبوطة.اجلس أمامك مأخوذة, مسحورة بكل تفاصيلك الصغيرة.. حركة أصابعك الرشيقة مع خفقان أهدابك, انعقاد حاجبيك مع ضمات شفتيك في استحسان أو استياء.. خطواتك المتأنية الواثقة تحملك إلى حيث الباب, اسمعها مازالت ترن بذات القوة والجلال. قبلتك فوق جبيني قبل ذهابك لازالت دافئة واعدة, لمستك الرقيقة على كتفي تطمئنني بأنك عائد, ولن تتأخر.
كل ليلة …. يا حبيبي
انتظرك مع شموعي الموقدة, ودقات الساعة في نفس موعدنا..بثوبي الجميل, وشعري المسدل يتموج بحر اسود على كتفي يهمس في أذني بأغنية حب:
"حبيبي آتي"
واسمع صوت مفتاحك في بابي يدور, فيرقص ثوبي على جسدي, ويختلج القرط في أذني يوشوشني بفرحة:
"حبيبي أتى"
واهرع إليك يسبقني عبير الشوق, اتلقى عينيك المرهقة واحمل عنها كل التعب…آخذك بعيدا عن هذا العالم بجميع مشاكله وهمومه, هناك لقصرنا البللوري فوق نهر القمر…
على موسيقى الليل نرقص.. ونضحك.. ونغني, وتغني لي يا حبيبي بصوتك الرخيم ,بتلك النبرة الحميمة التي تلفني مثل رداء من حرير الشمس.تحت ريهام البنفسج تهدهدني بين ذراعيك كطفلة.. دائما تخبرني أني طفلتك الجميلة.. والرؤية الرائعة التي تجسدت بين يديك امرأة متيمة بك.وأنام على كتفك زهرة بلسان فوق فراش الجنة..

احلم.. احلم بك.. ومعك.. على ذراعك الحلم هو أجمل واقع أحياه.. هو مملكتي.. وأنت أمير مملكتي.

ويأتي الفجر يطرق أبواب الحلم.. يحمل وجهك فوق لواء الضوء لتستيقظ أحلامي في عينيك الباسمتين..
اليوم..
يأتي الليل ولا تأتي… وأذوب وشمعي في ظلمات مسائي الحالك, وعيونك لم تشرق بعد. تضرب دقات الساعة على أعصابي لحن القلق المذعور.. يخنقني ثوبي, واشعر بالكون يضيق …تعوي الريح حاملة صرخة شعري:
" لن يأتي.. حبيبي لن يأتي"
فاشنقه بغضب في انشوطة سوداء. استجدى الباب أن يطرق.. أن يتفتح عن وجهك الحبيب..قمري لم يأت, وقصري المهجور مسدل الستائر, مغلق الأبواب منتظرا مجيء أميره. رباب البنفسج بكى حزنا علينا حتى جفت فيه دموعه, أوركسترا الليل صامتة, يعاندها نحيب الألم, ورجفات الخوف المكبوت.و اجف كزهرة متروكة تحت لهيب الشمس, يزرعني الصبر صبارا في بوادي التمني..
أتطلع حولي..
خلف الأبواب الغلقى أراك تجلس منهمكا في عملك, وأراني اقترب منك المس راسك المنهوك بكفي, تبتسم لي وعلى صدري يرتاح جبينك.
و أراك..
وإلي كتاب تجلس ناسيا وجودي فتحتدم غيرتي, وأقوم خاطفة منافستي القابعة بين يديك, تنهض غاضبا محاولا استرداد ما أصر على إبعاده عنك, تأخذه قسرا وتعود لتقرا غير مبال بي, فادمع غيظا وهزيمة.. تضحك وتترك كتابك لتحملني وتدور بي.. شعري وشاح حرير يدور حولك..يلثم وجهك مغتبطا, ثم يرتد خفرا.. يحكى للنسائم المتسائلة حكاياه معك.
و أراك..
بعد أمسيات السفر ترجع مستعر الحنين وكأنك غبت عصور مبحرا في أعماق الشوق,لا يبرد لهفك ولا ينطفئ وهج اشتياقك..
هل حقا غبت؟
إني أراك.. في كل ركن, في كل لحظة …في كل التفاتة, وكل غمضة عين.لا لم تغب.. مازلت هنا, مازلت في كل أشيائنا الصغيرة.. تحيا حياة أخرى..حياة الذكرى التي لن تذهب أبدا.
بعد اليوم لن اغضب إذا أخرك الليل عن موعدنا.. فبرغم البعد يا حبيبي أنت هنا.. لم تذهب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق