السبت، 20 أغسطس 2011

شهرزاد


‎(أطفال الدفاتر لاينمون ولا يتحركون ولا ينطقون
لكنهم عندما يسقطون يتركون بنا من النزف الكثير )


(1)
...
أنهم يكبرون بالأرواح
يكبرون دون أعراض تضخم أو انتفاخ
وحين يسقطون
يتركون بنا من النزف والألم
أشد مما يتركه سقوط طفل حقيقي
ومعك كان اسم طفلتي مريم
وكان طفلي يتسمى باسم والدك

وحين افترقنا
رأيت مريم تمسك بيد أخيها بانكسار
ويطيلان النظر إلي بأعين عاتبة دامعة
ويتجهان نحو باب الخروج من دائرة أحلامنا
ولمحتهما يمزقان أوراق عهودنا الزائفة
ويلقيان بالقصاصات في قمامة الواقع
ويكملان نحو الغياب طريقهما!!
فلماذا غادرت أنت باكرا ؟

وتركتني وحدي أواجه نظرات مريم وشقيقها الصغير؟



(2)
من منا خذل مريم والطفل
مريم التي أسبغنا عليها دلالنا كطفل حقيقي وأكثر !
مريم التي عاشت بنا ومعنا!
مريم التي كبرت بنا لاحولنا !
مريم التي شهدت كل مكالماتنا الهاتفية !
مريم التي قرأت كل رسائلنا الغرامية
مريم التي صدقت كل أحلامنا
مريم التي وثقت بكل وعودنا
مريم التي أنصتت لكل خططنا
مريم التي فرحت وحزنت معنا
مريم التي غضبت وثارت وبكت من أجلنا !



(3)

وهاهي الطفلة المدللة تخرج من دفاتري مكسورة كأميرة منفية !
خرجت قبل أن افرح باستقبالها واقعيا
قبل أن أضع يدي على بطني لــ أتحسس خارطة تحركاتها!
قبل أن تطلق صرخة خروجها للحياة !
قبل أن أهديها تاريخ ميلاد خارج الدفاتر!
قبل أن تمهلك لقطع حبلها السري!
قبل أن تمنحك فرصة الأذان في أذنيها!
قبل أن التقط لها في مهدها صور شخصية !
قبل أن نضيفها في أوراقنا الرسمية
قبل أن يمنحني الوقت الفرصة لممارسة أمومتي معها!



(4)
مريم خرجت من أحلامي قبل أن اغسل بالماء المرقي وجهها
وامسح بزيت الأطفال جسدها!

قبل أن أقرأ آيات الله على قلبها!
قبل أن أقلم أظفارها وأمشط بالفرشاة الناعمة شعرها !


مريم غادرت دفاتري!
قبل أن أسهر لقياس درجة حرارتها والاستسلام للوساوس

كلما ارتفعت درجة الحرارة
قبل أن تقلقني حمى أسنانها!
قبل أن اضبط ساعة المنبه على مواعيد دوائها!
قبل أن اصطحبها لروضتها!
قبل أن أعاني من إيقاظها صباحا!
قبل أن أغلف كتبها المدرسية!
قبل أن أعكر مزاجي في استذكار دروسها!
قبل أن تحرق دمي بدرجاتها الشهرية!



(5)
مريم غادرت دفاتري
قبل أن أجردها من عادات الصغار وأدربها على عادات الكبار

غادرتني قبل أن أعودها على زجاجة الرضاعة

قبل أن تتخلى عن ( لهاية ) الصغار!
ورفع كأس الماء بلا ارتعاش ...وتناول الطعام بلا مساعدة
وارتداء فستانها الزهري بلا ( ماما )!


غادرتني قبل أن اشرح لها الخير والشر !
قبل أن أحذرها من رفاق السوء وسوء الرفاق!
قبل أن أسرد عليها حكاية قبل النوم!
قبل أن أخدعها بفرسان الحكايات وحكايات الفرسان!
قبل أن تغفو على يدي في منتصف الحكاية بأمان!



(6)

مريم غادرت دفاتري
قبل أن تمنحني تجربة دخول محلات الأطفال
قبل أن أتعرف على مقاسات الصغار وأحذية الصغار!
قبل أن اختار لها ملابس الصيف و انتقي لها أثواب الشتاء!

قبل أن تسير تحت شمسية المطر بصحبتي !

مريم رحلت قبل أن أضع صورتها على كعكة ميلادها
و أطفىء شمعتها الأولى بين رفاقها!
واغني لها ( هابي بيردي تو يو مريم / هابي بيرذدي تو يو )


(7)
مريم رحلت مع أخوها تاركة خلفها من الفراغ المخيف

ماتصفر فيه الريح والليل والحنين!
ليذكرني صفيرها
أنه ذات عمر كان هناك حكاية

وكان للحكاية دفتر وكان للدفتر أطفال
وكانت مريم بكر الأطفال..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق