الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

ذلك الصمت الآثم للرجال...

ما عاد بإمكاننا أن نتحدّث مع من نحبّ و ليس هذا بالصمت
رينيه شار***
إن كان سلاح المرأة دموعها. أو هكذا يقول الرجال الذين ما استطاعوا الدفاع عن أنفسهم بمجاراتها في البكاء. فقد عثر الرجل على سلاح ليس ضمن ترسانة المرأة. و لا تعرف كيف تواجهه لأنّها ليست مهيّأة له في تكوينها النفسي. لذا عندما يشهره الرجل في وجهها يتلخبط جهاز الالتقاط لديها و يتعطّل رادارها. إنّها تصاب بعمى الأنوثة أمام الضوء الساطع لرجل اختار أن يقف في عتمة الصمت.
لا امرأة تستطيع تفسير صمت رجل. و لا الجزم بأنّها تعرف تماماً محتوى الرسالة التي أراد إيصالها إليها. خاصة إن كانت تحبّه. فالحبّ عمًى آخر في حدّ ذاته. ( أمّا عندما تكفّ عن حبّه فلا صمته و لا كلامه يعنيانها و هنا قد يخطئ الرجل في مواصلة إشهار سلاحه خارج ساحة المعركة على امرأة هو نفسه ما عاد موجودًا في مجال رؤيتها ! ) كما أنّ بعض من يعاني من ازدواجيّة المشاعر يغدو الصمت عنده سوطًا يريد به جلدك فيجلد به نفسه.
تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلاح تضليلي. إنه حالة التباس كتلك البدلة المرقطة التي يرتديها الجنود كي يتسنّى لهم التلاشي في أيّة ساحة للقتال. إنّهم يأخذون لون أيّ فضاء يتحرّكون فيه.إنّه صمت الحرباء.. لو كان للحرباء صوت. تقف أمامه المرأة حائرة. تتناوب على ذهنها احتمالات تفسيره بحكم خدعة الصمت المتدرّج في ألوانه من إحساس إلى نقيضه.
صمت العشق.. صمت التحدي.. صمت الألم.. صمت الكرامة.. صمت الإهانة.. صمت اللامبالاة.. صمت التشفي.. صمت من شفي.. صمت الداء العشقي.. صمت من يريد أن يبقيك مريضًا به.. صمت من يثق أنّه وحده يملك دواءك.. صمت من يراهن على أنّك أوّل من سيكسر الصمت.. صمت من يريد كسرك.. صمت عاشقين أحبّا بعضهما حدّ الانكسار.. صمت الانتقام.. صمت المكر.. صمت الكيد.. صمت الهجر.. صمت الخذلان.. صمت النسيان.. صمت الحزن الأكبر من كلّ الأحزان.. صمت التعالي.. صمت من خانك.. صمت من يعتقد أنّك خنته و يريد قتلك بصمته.. صمت من يعتقد أنّك ستتخلّين عنه يومًا فيتركك لعراء الصمت.. الصمت الوقائي.. الصمت الجنائي.. الصمت العاصف.. و الصمت السابق للعاصفة.. صمت الانصهار و صمت الإعصار.. الصمت كموت سريري الحبّ.. و الصمت كسرير آخر للحبّ ينصهر فيه عاشقان حتى الموت.. الصمت الذي ليس بعده شيء.. و الصمت الذي ينقذ ذلك "الشيء" و منه تولد الأشياء مجدّدًا جميلة و نقيّة و أبديّة بعد أن طهّرها الصمت من شوائب الحبّ.الصمت اختبار، طوبى لمن نجح فيه مهما طال. إنّه يفوز إذن بالتاج الأبدي للحبّ.. أو بإكليل الحريّة.
نصيحة:
تعلّمي أن تميّزي بين صمت الكبار و الصمت الكبير.
فصمت الكبار يقاس بوقعه، و الصمت الكبير بمدّته.
الكبار يقولون في صمتهم بين جملتين أو في صمتهم أثناء عشاء حميم ما لا يقوله غيرهم خلال أشهر من الصمت.
ذلك أنّ الصمت يحتاج في لحظة ما أن يكسره الكلام ليكون صمتًا.
أمّا الصمت المفتوح على مزيد من الصمت، فهو يشي بضعف أو خلل عاطفيّ ما يخفيه صاحبه خلف قناع الصمت خوفًا من المواجهة. وحده الذي يتقن متى يجب كسر الصمت. و ينتقي كجوهرجي كلماته بين صمتين يليق به صمت الكبار.
تعلّمي الإصغاء إلى صمت من تحبّين، لا إلى كلامه فقط.
فوحده الصمت يكشف معدن الرجال.
***
هل تسمعين أشواقي
عندما أكون صامتا؟
إنّ الصمت، يا سيّدتي،
هو أقوى أسلحتي
هل شعرت بروعة الأشياء التي أقولها
عندما لا أقول شيئًا
نزار قباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق