الجمعة، 3 سبتمبر 2010

في محاولة تعريف معنى غيابكِ _عماد فؤاد


أعرفه
هذا الملاك الذي طاردَكِ
طيلة النَّهار
وأنتِ تبكين على صدري
رأيتُ أثر أصابعه الخمسةَ
فوق وجنتيكِ
وشممتُ رائحة جناحيه الأبيضينِ
وأنتِ تندسِّين في حِضني
خائفةً
ومذعورةْ.
***
سأظلُّ هنا
رابضاً في الرُّكنِ
في الظُّلمة الرَّطبةِ
وهي تنتشر في أضلاعي
كامناً ومختبئا.
لن أقرب النافذة العالية في الزَّاوية
ولن أفتح الباب لزائرٍ
أو أعطي شربة ماءٍ
لابن سبيلْ.
سأظلُّ كما أنا
أظافري طويلةٌ بدرجةٍ تكفي
لاختراق لحم الآخرينَ
حين يحاولون جذبي بعيداً
وعيناي لا تعرفان من النُّورِ
سوى ما أسمح لهما بهْ.
***
مثل ناطورٍ
يصدُّ الطَّير عن حقلهِ
كنت أزجر أعينهم
عن ثوبكِ الشَّفافِ
فيما أخبِّىءُ ابتسامتكِ
بيدي الملوِّحة
خلسةً.
***
عندما تموتين
َلا صوتَ سوف يعلو
ولا نهرَ سيجري
في ليلٍ أزرقٍ أو رمادي
ٍّوما اسمي سوى ندهةٍ مبتورةٍ
تسقط كعملةٍ معدنيةٍ
فوق إسفلت الطريقِ
لكنني
سأدفن وجهي في ملابسكِ القديمة
وأتذكر كل الأصدقاء
الذين رميتهم
ْبركْلة قدمٍ واحدةٍ
والليالي الطويلة من الوحدةِ
ستنظر إليَّ خلسة
ًمن خلف ستائرَ بيضاء
يهزُّها الهواءُ
والنَّسيم الخفيفُ.
قلبيَ الصَّغير
ُستنعشه هبَّات الأوكسجين الفجائيةِ
حين أحسُّ يدكِ
لم تزل دافئةً على صدري العاري
وصوتكِ
سوف أطارده في غرفتي
مثل طفلٍ.
***
تعودنا على ذلك
إذا جفَّت حوافُ شفاهنا
ونشفتْ
فيعني أن نكفَّ عن القبلاتِ
ليومين متتاليينِ
ويعني
أن نهربَ في مشاويرَ كاذبةٍ
نلفُّقها متواطئينِ
فرحين بانتظار
سنعاود فيه القبلات
من جديدْ.
دموعي تفرُّ
وهْي تخترق نقاط العرق الغزيرِ
سأعرف طعمها المالح
وأميزِّها
فثمَّة طعمٌ مختلفٌ
للملحْ.
***
سأظلُّ هنا
رابضاً في الرُّكنِ
في الظلمة الرَّطبةْ
وهْي تنتشر في عظامي
كامناً
ومختبئا.
***
المحبَّة
أو قماشة الدَّانتيل البنفسجية
التي شددناها بحرصٍ
على جسدينا
لفَّتْنا بهدوءٍ
لم نشعر بها
وهْي تشتدُّ وتسمُكْ
لم نحس خيوطها الناعمة
وهي تنغرز ببطءٍ مثل موسىً
في لحمنا الطريِّ
ألفنا دفئها الرَّخو
الدِّفء الذي تمنَّيناه طويلاً
وانتظرناه بلهفةٍ
كأطفالٍ يتامى.
***
عندما تموتينَ
سأنهك عينيَّ في القراءةِ
ورئتيَّ سيفسدهما ولعي المتزايد بالتَّدخينِ
سوف أسير في الشوارع المزدحمة طويلاً
وأنا أتحدث إليكِ
ربما نتشاجرُ
فيعلو صوتي بالصُّراخ
والشَّتيمةِ
وربما نتآلف بعد برهةِ صمتٍ
فأسرد المجاملات المجانيةِ
عن فستانكِ الجديدِ
أو عن صفاء عينيكِ
عندما تهمَّانِ
بالبكاءْ.
***
أقولُ:ناموا خفافاً
لا أثر لأجسادهمْ
فوق أسرَّتنا
ولا رائحةِ عرقٍ
تركوها في المُلاء
اتِغادرونا
كملائكةٍ صغار
لعبوا بأعصابنا ساعاتٍ
مثل أطفال يتامى
ورحلوا
وتبقين صامتةً !
***
لم تؤكدي لي موعدكِ
لكنني جئتُ
وباستماتةِ محاربٍ
كان عليَّ قتلَ
كل الدقائق التي تمرُّ بطيئةً
من ساعة الرجل الذي
يجلس هادئاً
خلفي.
***
بيت
ليس إلا
َّكي نتشاجر فيه
ونفرُّ من ألفته
إن داهمنا الملل
نربِّي بداخله أطفالاً مجانين
ونسكَّ شبابيكه
إن مرَّ تحت نوافذنا الشِّتاء
والمطر المتسكع
في الشوارع.
بيتٌكي أصرخ فيكِ
بصوتي كاملاً
كي أشدكِ من ثوبكِ
دون خوفٍ.
بيتٌكي تريحي على صدري
رأسكِ المقطوع
من أثر الصُّداع اليومي
ِّبيتٌ صغير
ٌليس إلاَّ.
***
ألم أقل
إنَّني أعرفه
هذا الملاك
الذي طاردكِ
طيلة النَّهار!



أغسطس 2001القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق