الثلاثاء، 16 فبراير 2010

فوضى الحواس

بدءًا عكس الناس, كان يريد أن يختبر بها الإخلاص. أن يجرب معها متعة الوفاء عن جوع, أن يربي حبًا وسط ألغام الحواس. هي لا تدري كيف اهتدت أنوثتها إليه.
هو الذي بنظرة, يخلع عنها عقلها, ويلبسها شفتيه. كم كان يلزمها من الإيمان, كي تقاوم نظرته!
كم كان يلزمه من الصمت, كي لا تشي به الحرائق!
هو الذي يعرف كيف يلامس أنثى. تماما, كما يعرف ملامسة الكلمات. بالاشتعال المستتر نفسه.
يحتضنها من الخلف, كما يحتضن جملة هاربة, بشيء من الكسل الكاذب.
شفتاه تعبرانها ببطء متعمّد, على مسافة مدروسة للإثارة.
تمرّان بمحاذاة شفتيها, دون أن تقبلاهما تمامًا. تنزلقان نحو عنقها, دون أن تلامساه حقّاً. ثم تعاودان صعودهما بالبطء المتعمّد نفسه. وكأنّه كان يقبّلها بأنفاسه, لا غير.
هذا الرجل الذي يرسم بشفتيه قدرها, ويكتبها ويمحوها من غير أن يقبلها, كيف لها أن تنسى.. كلّ ما لم يحدث بينه وبينها؟
في ساعة متأخرة من الشوق, يداهمها حبه.
هو, رجل الوقت ليلا, يأتي في ساعة متأخره من الذكرى. يباغتها بين نسيان واخر. يضرم الرغبة في ليلها.. ويرحل.
تمتطي إليه جنونها, وتدري: للرغبة صهيل داخلي لا يعترضه منطق. فتشهق, وخيول الشوق الوحشية تأخذها إليه.
هو رجل الوقت سهوًا. حبه حالة ضوئية. في عتمة الحواس يأتي. يدخل الكهرباء إلى دهاليز نفسها. يوقظ رغباتها المستترة. يشعل كل شيء في داخلها.. ويمضي.
فتجلس, في المقعد المواجه لغيابه, هناك.. حيث جلس يومًا مقابلاً لدهشتها. تستعيد به انبهارها الأوّل.
هو.. رجل الوقت عطرًا. ماذا تراها تفعل بكل تلك الصباحات دونه؟ وثمة هدنة مع الحب, خرقها حبه. ومقعد للذاكرة, ما زال شاغراً بعده. وأبواب مواربة للترقب. وامرأة.. ريثما يأتي, تحبّه كما لو أنه لن يأتي. كي يجيء.
لو يأتي.. هو رجل الوقت شوقًا. تخاف أن يشي به فرحها المباغت, بعدما لم يشِ غير لحبر بغيابه.
أن يأتي, لو يأتي.
كم يلزمها من الأكاذيب, كي تواصل الحياة وكأنه لم يأت! كم يلزمها من الصدق, كي تقنعه أنها انتظرته حقّا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق