الجمعة، 11 مارس 2011

كوليت خوري ( الكلمة الانثى

من قال ان هذه الطريق التي نثرت على جوانبها هذا الصباح أعذب أمالي
سأطويها الان عائدة الى بلدي وطاوية صفحة رائعة من عمري
منذ ساعات كنت أطير بسيارتي الى بيروت وكنت أعتقد أنني سأمكتث دهرا" أوليس حبيبي في بيروت؟
واسع خيالي
وعاطفتي دنيا غريبة عن دنيانا
كم عمرت لي هذه العاطفة عوالم شاسعة أنا المليكة فيها
وكم أوجعتني أنا الأن وحيدة حائرة والطريق ممتد أمامي

شريطا" يحدثني عن حبيبي ان ينتظر في بيروت وسينتظر

من قال أنني سأتركه ؟

لم أمكث سوى لحظات في بيروت لحظات كافية لاسترجع حادثة

قديمة نامت في ذاكرتي سنوات برزت فجأة هذه الذكرى حين

حاولت اتصالي بالحبيب تذكرت هذه الليلة ظننتها دفنت في

ظلام الذكريات

صوت الهاتف مزق السكون صوت راعب يقول:

جدك بالمشفى

صاعقة نزلت علي فأتلفت حركتي وتفكيري

كيف ولا وهو جدي الصدر الرحب الذي أخبئ فيه شخصي؟

ألم أقضي طفولتي وشبابي في ظلال عباءته الواسعة؟

أما نسيت أن أبا" لي وأما" وعددت جدي أبانا الأوحدي
كان يتملكني الغرور عندما كان يأتي أبي لزيارتنا

فقد كنت في بيت جدي سيدة البيت وملكته

لست أدري كيف هرعت الى المشفى ووصلت

ما أتذكره غرفة بيضاء والأطباء حوله وهو مغمى عليه

كان أبي ممسكا" يده وهو يتمتم بحنان :

أبي هل تسمعني أبي؟

لكن رهبة الموت كانت أكبر من أية عاطفة أخرى فلم أشعر بالغيرة

هذه هي الحادثة التي مرت بي وجعلتني أترك حبيبي

أما هو فاّنى له أن يفهم هذه الذكرى التي تبدو للوهلة الأولى عادية

ستطفئ الى الأبد معنى الأمل في حياتي

نعم لقد كان حبا" أسطورة أسطورة هدمت واقعي الحزين وعمرت وجودي الحقيقي

حين التقيته ليلة كان وأنا نفسين ممزقتين تبحث عن مرفأ أمين

كان الماضي يرهق كتفيه

كان المستقبل يرعب عيني

في تلك الليلة كان الحاضر كريما" اذا ضمنا

كنت أعلم أنه انسان كبير وأن زوجه تقيم معه منذ سنوات في بيروت مع الأطفال

وكان يعرف أنني شاعرة أشق طريقي في غابات الحساسية

في بيت صديق رمانا الظرف القاسي

كان الجميع الاهو ينصت الى البيانات والبلاغات التي صدرت من المذياع

يعلقون تارة ويناقشون تارة كنت وسط الجميع وحدي

أحمل بلدي الجريح في عيني وأصب صمتي عليه صلاة

كان يتأملني صامتا" كالقدر عميقا" كالدهر حزينا" كعمري

ربما كان في نظري خوف أو رجاء

ربما كان فيها بلد ضائع أردت أن ألاقيه في عينين مؤمنتين

لست أدري ماقرأ في طرفي لكنه اقترب لي ومد يده وكأننا أصدقاء الأزل

قال : الجو خانق ...... تعالي .... وخرجت الى شوارع دمشق القاتمة معه
دمدمت :

أحب دمشق....

تأملني بصمت مبتسما" ثم قال:

أعرف هذا ..... وتابع ويجب أن تكوني قوية

قاطعته : ليتني أكون مثلك أنت قوي

نظر الي في حزن وقال :

نعم قوي هل تعرفين لماذا أن قوي؟ لأنني عشت عمري وحيدا"

مددت له يدي فضمها في اليدين الكبيرتين وشعرت بوحدته تذوب على شفتيه

فوجدت نفسي في ابتسامته الحنون وحين قال :

لا تخافي سورية قوية... قويةأبدا"

وجدت في ايمانه بلدي

ومر شهر وعادت دمشق الى طبيعتها وبقينا نحن في عالم سلخنا عن الواقع فوجدنا

فيه دمشق وما فيها الا أنا

لم يكن رجل أحببت كان الوطن الذي أخاف عليه

كان الانسانية الأزلية التي أجل كان هذا الأنا الضائع

من خلاله أحببت زوجه و أطفاله وجدت مدينتي عانقت نفسي ورضيت بها

شعرت بالكون يصغر ويصغر ويتجمع على راحتي صلاة للأله

كان حبا" عظيما" وما تخيلت أن شيئا" في الدنيا قد يبعدني عنه

قبل أمس قرر أن يذهب الى بيته ووعدته أن اتبعه بعد يومين

كنت على طريقي الى بيروت هذا الصباح سأخبره بأن العالم أصغر من حبنا

وأن شخصه وحده هو حدود دنياي الواسعة وأ ن وأن وصلت الى بيروت

عند أول مخزن في فرن الشباك ودخلت متلهفة أقترب من الهاتف لأغرس

أناملي في أرقام سحرية ولكن فجأة تعلقت نظراتي بالألة السوداء

ودارت أفكاري تستبق الحوادث ربما لم يكن في البيت ربما بعيد

حملت الي الأسلاك صوتا" ناعما" يسألني ما أريد ولهذا الصوت الحق

الحق أن يسأل ولا يستطيع أحد ولا حتى أنا أن يعاتب

من أنا لأسأل الزوجة عن زوجها ؟ وأي حق يعطيني الحب مهما بلغ من العنف والسمو

جمدت أناملي وغابت أفكاري وغاب معها الحبيب وزوجه وفي الألة السوداء

تذكرت الغرفة البيضاء وجدي فاقدا" الوعي وأبي ممسكا" بيده لأول مرة فهمت

كان يجب أن يموت جدي لأفهم أني في الواقع لست سوى حفيدته

لأفهم أن الواقع على الرغم من عاطفتي المجنونة وضعني غي المرتبة الثانية

نعم كان يجب أن اتي الى البلد الذي يسكن فيه الحبيب لأدرك أن الواقع كالموت لا مفر

منه لملمت نفسي وحبست في العين دمعتي اليائسة وجررت قدمي الى سيارتي

بعد لحظات أصل الى دمشق

الهي كم توجعني هذه العاطفة عندما ترتطم بالواقع وتتركني هكذا مشردة وحيدة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق