الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

أسطــورة الشهيــد عمــرو طلبــة _العميل 1001

الاسم الحقيقي : عمرو طلبه
الرمز الكودي : 1001
الاسم المستعار : موشي زكى رافئ
تاريخ بدء العملية تقريبا : 1969
تاريخ استشهاد البطل : 1973

"ولقد حملناه عائدين دون أن نذرف دمعة واحدة فقد نال شرفا لم نحظ به بعد‏"

هذه العبارة جاءت علي لسان ضابط المخابرات المصري ماهر عبدالحميد رحمه الله في ختام ملحمة بطولية رائعة كان بطلها الحقيقي الشهيد البطل عمرو طلبة ‏الذي ربما لا يعرفه الكثيرون منا..

علي الرغم من أن عقارب الساعة كانت تشير إلي الثانية إلا عشر دقائق بعد ظهر السادس من أكتوبر عام 1973 إلا أن كل شئ بدا هادئا تقليديا علي الجبهة الغربية لقناة (السويس) فكل الجنود والضباط يؤدون أعمالهم الروتينية المعتادة وبعضهم يقوم بتنظيف أسلحته في تراخ عند شاطئ القناة في حين راح البعض الاخر يسبح في مياهها ويتبادل النكات مع رفاقه بصوت مرتفع بلغ مسامع الإسرائيلين علي الجبهة الشرقية للقناة فابتسم بعضهم في سخرية وألقوا بعض عبارات الإستهزاء بالمصريين وجنودهم الذين يمكنك إستنباط حالة الطوارئ لديهم بمجرد إرتدائهم خوذاتهم القتالية........



قالوها لأن واحدا من الجنود و الضباط المصريين لم يكن يرتدي خوذته في ذلك اليوم.......

ثم قطعت عقارب الساعة تلك الدقائق العشر في سرعة....

وأعلنت تمام الثانية....

وقبل حتي أن تنتهي دقاتها كانت هناك أسراب من المقاتلات المصرية تهدر كألف ألف عاصفة وهي تعبر القناة في اّن واحد معلنة بدء أول مواجهة عربية إسرائيلية في التاريخ.....

وكانت المفاجاة عامة شاملة مخيفة بالنسبة للاسرائيلين.....

لقد انهالت عليهم القنابل والصواريخ كالسيل وعلي نحو تصوروا معه أن الجحيم قد فتح اكبر ابوابه ليلتهمهم عن اخرهم....

اما الجنود الهادئون المتراخون علي الجبهة الغربية فقد نفضوا تراخيهم الزائف هذا بغتة وتحولوا في غمضة عين الي أسود جسورة وثبت الي قوارب مطاطية لا حصر لها اندفعت بهم صوب أقوي خط دفاعي استراتيجي عرفته الحروب الحديثة......

خط (بارليف)......

وانهالت قذائف الإسرائيلين علي الجنود البواسل من كل صوب ونسفت عشرات القوارب وغمرت سطح القناة بالدماء الطاهرة الذكية.....

ولكن كل هذا لم يوقف الجنود....

لم يرهبهم ...

لقد ارتدت القذائف الي الاسرائيلين انفسهم علي هيئة ذعر رهيب وصفوه فيما بعد في كتابهم (التقصير) بانه ذعر خاطئ يواجه يوم الحساب ....

وانطلقت مدافع المياه تشق الساتر الترابي.....

واقتحم المصريون خط بارليف.....

وارتفع العلم المصري علي الجبهة الشرقية لقناة السويس....

ووسط المعمعة والقتال والنيران والدماء التقطت اجهزة الاستقبال اللاسلكية الإسرائيلية نداء متكررا بصوت مصري يموج باللهفة والقلق وهو يهتف :

-أجب يا ألف وواحد..اجب....

كان النداء يتواصل بلا إنقطاع علي موجة خاصة من الساعة الثالثة واربعين دقيقة وكأنما يبحث المصريون عن شخص بالغ الاهمية يرغبون بشدة في إستعادته علي الرغم من كل ما يحدث علي الجبهة في تلك الساعات الأولي العنيفة.....

وفي الرابعة وسبع وثلاثين دقيقة تلقي ضابط مخابرات القنطرة غرب أمرا مباشرا من مدير المخابرات شخصيا بالإنطلاق علي الفور للبحث عن جندي إسرائيلي بالتحديد وسط قافلة عربات كانت تتحرك من (أم مرجم) إلي القنطرة شرق وبأن يجري إتصالا بقائد الجيش الثاني ليصدر أمرا بعدم إطلاق النار علي أي فرد من جنود تلك القافلة مهما كانت الأسباب....

وبات من الواضح أن الشخص الذي يتم البحث عنه له أهمية بالغة بالفعل علي الرغم من أنه يرتدي الزي العسكري الإسرائيلي في زمن الحرب....

ولقد انطلق ضابط المخابرات علي الفور لتنفيذ الأمر وانطلق الي الجبهة المشتعلة بحثا عن اللواء (سعد مأمون) قائد الجيش الثاني الميداني للحصول علي إذنه قبل دخول منطقة القتال مباشرة....

ولكن حتي هذا لم يكن سهلا فالجسور المقامة تكتظ بالمشاة والعربات المدرعة والدبابات التي تعبر الي الجبهة الشرقية وقائد الجيش الثاني يتحرك في سرعة ونشاط مدهشين من موقع لأخر ليتفقد جنوده واستعداداته والخطوات التالية للعبور....

وعندما بلغت الساعة الخامسة الاعشر دقائق أدرك الضابط أن الوصول إلي المنطقة المنشودة يكاد يكون مستحيلا بسبب الألغام وقوافل الإمدادات والأنفجارات التي تملأ الأفق وأبلغ هذا الأمر إلي رؤسائه في توتر بالغ....

وعندما بدأ الظلام يخيم علي الجبهة في الخامسة والنصف تقريبا اخترقت هليوكوبتر حربية مصرية خطوط القتال ونجحت في الهبوط عند موقع قافلة السيارات المنشودة التي احترقت عرباتها وتناثرت حولها الجثث...

وقبل حتي أن تستقر الهليوكوبتر علي الرمال قفز منها ثلاثة رجال بثياب مدنية وأضاءوا مصابيحهم اليدوية واندفعوا نحو الجثث المتناثرة وراحوا يفحصونها في اهتمام بالغ جعل الطيار يتصور أنهم سيعثرون علي وزير الدفاع الاسرائيلي نفسه وسط القتلي...

ثم هتف أحد الرجال الثلاثة بزميليه معلنا عثوره علي الشخص المنشود فاندفعا إليه وانحني كلاهما يفحص جثة جندي اسرائيلي في اهتمام بالغ قبل أن ينهض الرجال الثلاثة في صمت والأسي يملأ وجوههم ثم اندفع أحدهم نحو الطائرة وهتف بالجنود القابعين داخلها فخرج ستة منهم يحملون صندوقا خشبيا وعلما مصريا جديدا وبكل احترام وتقدير نقلوا جثة العريف الاسرائيلي إلي الصندوق ولفوه بعلم (مصر) ووقف المدنيون الثلاثة وقفة عسكرية في حين أدي الضابط المرافق لهم التحية الرسمية وهم أمام الصندوق قبل أن ينقله الجنود الستة إلي الهليوكوبتر..

وأقلع الطيار الحربي المصري بالهليكوبتر وهو يتساءل في حيرة كيف يمكن أن يحظي قتيل إسرائيلي بكل هذا الاحترام والتقدير في زمن الحرب؟!

هذا لأنه لم يكن يدري أن العريف الاسرائيلي (موشي زكي رافي ) الراقد في ذلك الصندوق كان في الواقع شهيدا مصريا و واحدا من أبرع الجواسيس الذين عرفتهم (مصر).....

شهيد اسمه (عمرو)....

(عمرو طلبة)....


من أبرز صفات رجال المخابرات العامة في كل الأزمنة قدرتهم المدهشة علي إستيعاب الأمور والتكيف معها والتحرك بسرعة لرتق الثقوب بدلا من إضاعة الوقت في البكاء علي اللبن المسكوب ...

لذا فلم تكد نكسة يونيو 1967 تنحسر حتي كان الرجال قد وضعوا خطة متقنة لزرع عميل مصري في قلب الجيش الإسرائيلي ليصبح عينا وأذنا داخله ويصنع خطا دائما من المعلومات لتغذية المصريين بكل ما يحدث ويدور داخل جيش العدو ....

وكان من الطبيعي أن تتجه انظارهم نحو أفضل مكان يمكن الحصول منه علي شخص صالح تماما للعيش والعمل داخل (اسرائيل)..

نحو القسم (3ج ا)..

والقسم (3 ج ا) هذا هو أحد أقسام مدرسة المخابرات التي لا يمكننا تحديد موقعها أو وصفها أو حتي الاشارة إلي موضعها ولكن كل ما يمكننا قوله في هذا المضمار هو أن ذلك القسم بالذات يعتبر أكثر أقسام مدرسة المخابرات سرية وخصوصية ولا يتسني دخوله إلي لعدد محدود للغاية وعبر إجراءات أمنية صارمة يخضع لها الجميع بلا إستثناء وتتكرر في كل مرة دون كلل أو ملل...

وإذا ما أمكنك دخول ذلك القسم فسيبدو لك وكأنك انتقلت من (القاهرة) الي (تل أبيب) بقفزة واحدة فكل شئ هناك يتبع النظام الاسرائيلي بدقة مدهشة فلافتات الطرقات وإشارات المرور وحتي العملات المستخدمة كلها إسرائيلية وكل من في القسم يتحدثون العبرية فقط حتي في أحاديثهم الهاتفية ومن المحظور تماما التحدث بأية لغة أخري وبالذات العربية مهما كانت الأسباب....

باختصار كان أفراد القسم (3 ج ا ) يتعاملون طوال الوقت وكأنهم داخل (اسرائيل) نفسها بل ويتفاعلون ويفكرون بالعبرية وليس العربية...

ومن بين أفراد القسم انتقي رجال المخابرات العامة (عمرو طلبة) وبالتحديد....

و(عمرو)هذا واحد من أكثر المتدربين في (3 ج ا)كفاءة وأكثرهم حماسا للعمل والمغامرة وهناك من يهمس بأنه كان إبنا لأحد المسئولين السابقين أو كبار ضباط الجيش...

المهم أن الاختيار وقع عليه وتم اختياره وامتحانه وتأكد الجميع أنه الشخص المناسب تماما للعملية وبقي أن يجدوا له التاريخ المناسب تماما ليبدأ حياته وشخصيته الجديدة ....وهذا ايضا لم يكن سهلا أبدا ....

لقد راجع الرجال أكثر من ثلاثة الاف ملف لكل يهودي عاش في (مصر) قبل ان يلقى القدر امامهم بافضل تغطية ممكنة..
(موشى زكى رافى)

فى اثناء البحث وصلتهم شهادة وفاة لشاب يهودى ، مات فى مستشفى (المبرة) فى (طنطا)، ولم يستدل على أهله لإبلاغهم بخبر وفاته..

وبسرعه مدهشة ، وإتقان بلغ حد الكمال ،اتخذ رجال المخابرات المصريه كل الاجراءات الممكنة ، لإخفاء كل ما يشير إلى وفاة (موشى) ، وجمع كل التحريات الممكنة عنه ،فى الوقت ذاته ..
وأتت نتائج التحريات مرضية للغاية....
لقد كان (موشى) هذا شابا فى مقتبل العمر، شديد الوسامة، جميل الملامح ،ولد فى حارة اليهود القرائين فى (القاهره) وكان والده (زكى رافى) كليل البصر ، يتجر فى الأشياء القديمة ،التى يجمعها من القمامة والمخلفات ،و يقوم بفرزها فى مسكنه ، أما أمه فقد توفيت مبكرا، وهو بعد مجرد طفل صغير..ولم يحتمل (موشى ) الصغير العيش طويلا وسط اكوام القمامة ،التى تملأ جنبات المنزل ، وتزكم أنفه طوال الوقت ، ففر من منزل والده واختفى من حارة اليهود ، دون أن يعلم احد أين ذهب ، وإن أثار اختفاؤه حزن و شفقة بعض النسوة فى الحارة..

و انتقل الصبى من عمل الى أخر ،ومن مهنة وضيعة الى أخرى أكثر وضاعة ، حتى استقر به المقام فى (طنطا) ،حيث عمل فى مصنع الزيوت و الصابون هناك ، والتحق فى الوقت ذاته بمدرسة ليلية ،تعلم فيها شيئا من المحاسبة ، اهله للحصول على وظيفة كاتب فى شركة لنقل البضائع ،فى شارع ( البحر ) ، أحد الشوارع الرئيسية فى المدينة ،إلا أنه لم يلبث أن اصيب بمرض رئوى ،من سوء التغذية والحياة المرهقة،و قضى عدة شهور للعلاج ،قبل أن يقضى نحبه فى هدوء..

أما والداه فقد توفى بعد ثلاثة اشهر من رحيله ،وتولت الشرطة دفنه فى مقابر الصدقة ، نظرا لعدم العثور على أى أقارب او ابناء له ،فى ذلك الحين.

و اجتمع رجال المخابرات، ودرسوا شخصية (موشى )من كل الزوايا ، وفحصوها ، و محصوها من كل الوجوه ،قبل ان يتفق رايهم على انها افضل تغطية لرجلهم (عمرو طلبه) ..

بدات عملية تدريب (عمرو) ، تقمص شخصية (موشى رافى ) ،بمنتهى الدقة والانضباط ،بحيث يكاد الفتى ان ينسى اسمه الحقيقى ،و يتصور انه بالفعل (موشى زكى رافى ) ..
لقد درس تفاصيل حياته بمنتهى الدقة ، وشاهد عشرات الصور لمسقط راسه ، فى حارة اليهود ،وسافر الى (طنطا) وزار مصنع الزيوت و الصابون ، باعتباره مفتشا من وزارة الصحة ،وشاهد شركة النقل فى شارع (البحر ) ، واستمع الى عشرات المحاضرات ، قبل ان يبدا خطواته العملية ، لاثبات وتاكيد شخصيته الجديدة..

و فى ابريل 1969 ، ذهب (عمرو) الى حارة اليهود ، واتجه مباشرة الى المنزل رقم (19) ، الذى كان يقيم فيه (زكى رافى ) ، وراح يسال عن والده فى اهتمام شديد جذب اليه انتباه الجميع ، وخاصة بعض النسوة ، اللاتى استقبلنه بفرحة حقيقة با عتباره (موشى ) ، ولكنهن لم يخبرنه بما اصاب والده (زكى ) وانما طلبن منه سؤال الحاج (محمد احمد شافعى ) ، المالك السابق للمنزل ، والذى يمتلك محطة وقود فى شارع بورسعيد ..
وانتظر(عمرو) الحاج (الشافعى) طويلا فى محطة الوقود ، قبل ان يرشده احد العاملين فيها الى منزل الحاج ، فى الطابق الخامس من عمارة (بنزايون)،فى شارع (الازهر)..
وبالطبع لم يتعرفه الحاج (شافعى) فى البداية ، الا ان ( عمرو) اخبره انه (موشى)، وانه يبحث عن والده (زكى)،فاستقبله الرجل فى ترحاب ، وصدق روايته على الفور ،ثم افضى اليه بنبأ وفاة والده ،ومن الموكد ان ( عمرو) كان ممثلا بارعا ،

اذ ان حزنه وبكاءه على والده المزعوم ، جعل الحاج يتأثر جدا ، و يعرض عليه كل مساعدة ممكنة

، الا ان (عمرو ) اكتفى بتجفيف دموعه ، و غادر المنزل بلا رجعة ..

و فى اليوم التالى مباشرة ، قتل ( عمرو ) نفسه بحثا عن متعلقات والده ، التى انتقلت الى عهدة الحكومة ، و التى لم تزد على بطاقة شخصية ، وصورة لطفل صغير ، ومبلغ لا يستحق الذكر..
و مع الغوص فى الروتين و تعقيداته ، استعاد (عمرو) تلك المتعلقات التافهة فى اوائل مايو ، ليبدا معها المرحلة الاخيره من الاختبارات ،قبل ان يبدا مهمته..

و كانت تلك المرحلة هى الاكثر صعوبة ، فى سلسة الاختبارات ، التى تعرض لها الشاب ، اذ كان يتم ايقاظ الشاب فى ايه لحظة ، من الليل او النهار ، و سؤاله عن اسمه وهويته ، لضمان تقمصه التام للشخصية ،على نحو لا يسمح بحدوث اية أخطاء ، مهما كانت الظروف والملابسات ..
و اخيرا ، اجتاز الشاب الاختبارات الاخيرة فى النجاح ، واستعد لبدء مهمته..
وعلى عكس ما سيتصور الجميع ، لم يسافر الشاب الى ( اسرائيل)
لقد حصل على وثيقة سفر رسمية ،بناء على ما جمعه من اوراق ، بإسم (موشى زكى رافى)،و غادر (مصر) فى الحادى والثلاثين من مايو ،عام 1969 م ،متوجها الى ( اثينا) ، منها الى (كوالالمبور)، عاصمة (الملايو).

وفى (كوالالمبور) ،بدا (موشى)اليهودى عملية البحث عن عمل ، وحاول فى استماتة الحصول على وظيفة فى شركة ( تاى هونج)للبسكويت ولكنه لم ينجح فى هذا فقد مايقرب من شهرين عاطلا عن عمل و راح يتردد طوال تلك الفترة على مقهى متواضع يرتاده الباحثون عن العمل باستمرار ويدعى ( هنج كى)

و فى ذلك المقهى التقى (موشى) بالاسرائيلى (تصادوق)....

و (تصادوق) هذا بحار من بحارة السفينة الاسرائيلية (شيقمة)وهو شخص ودود بسيط سكير يهوى العبث والفجور و يتنفسهما مع كل مساء و لقد راقت له وسامة (عمرو) و ملامحه الهادئة

فارتبط معه بصداقة محدودة ثم لم يلبث راح يغريه بالسفر الى اسرائيل و الشاب يبدى عدم اهتمامه او رغبته فى الهجره الى هناك.

وازداد إلحاح (تصادوق ) ، وبدا له وكان (موشى رافى ) قد بدا يميل الى الفكرة ، وخصوصا مع عجزه عن الحصول على عمل دائم فى (كوالالمبور ) ، فاخذ يزين له الامر ، ويصف ( اسرائيل) وكانها الجنة الموعودة ، حتى اعلن الشاب موافقته اخيرا ، واكد انه سيسافر الى (اسرائيل ) للتجربة فحسب ، وسرعان ما قرن القول بالفعل ، ووصل فى الصباح التاسع من اغسطس الى ميناء (حيفا) ، حيث سجل اسمه كمهاجر جديد ، وحصل على خطاب من وزارة الهجرة ، وقيد اسمه فى المكتب المهاجرين ، التابع للوكالة اليهودية ، وقضى اسبوعين جول خلالهما فى ( اسرائيل) ، قبل ان ينفذ أوامر رءوسائه ، ويعود مرة اخرى الى (اثينا)..

ولان (عمرو) عميل مخابرات محترف ، تلقى تدريبات على اعلى مستوى ،فقد كان يتميز بأهم عاملين من عوامل نجاح اى عميل سرى..
الهدوء .. والصبر..

لذا ،فلم يسال (عمرو) قط عن سبب عودته الى (اثينا) ، ولم يبد أدنى ضجر او ملل ،وهو يقضى فيها ستة اشهر كاملة ، قبل ان يتلقى امرا بالرجوع مرة اخرى الى (اسرائيل)..

وفى هذه المرة ،دخل (عمرو ) الى ( اسرائيل) كمهاجر رسمى ، وراح ينهى اجراءاته القانونية فى وزارة الهجرة ،و يجتاز هذه المرة اختبارات من نوع جديد ..اجراءات لا يؤدى الفشل فيها الا لنتجة واحدة..الاعدام وبلا رحمة..
و على الرغم من صعوبة الاجراءات والاختبارات ،و دقة الاسئلة

و الاستجوابات ، فقد اجتاز الشاب هذه المرحلة فى نجاح ، وخرج من وزارة الهجرة ليبدا حياته الجديدة ، و مهمته الجديدة..

و فى قلب العدو..

اول درس تعلمه (موشى ) فى ( اسرائيل) ن هو انها ليست - على الاطلاق - ارض الميعاد والاحلام ، التى تتحدث عنها الدعايات اليهودية ،فقد رأى بعينيه علامات البؤس والشقاء على وجوه المهاجرين والموظفون يطوحونهم من مكتب الى اخر قبل ان يحصلوا فى النهاية على قرض ضئيل لا يكاد يكفى لحياة متدينة لشهر او شهرين و خاصة اليهود الشرقيين (السفرديم) الذين يتعلمون منذ اللحظة الاولى انهم سيظلون ابدا الطبقة الادنى ولن يتساوى احدهم قط مع فئة اليهود الغربيين الممتازة (الاشكنزيم)..

اما الدروس التالية مباشرة فقد كانت دروس اللغة العبرية..

وكم عانى الشاب وهو يحضر تلك الدروس المسائية فى انتظام متظاهرا بصعوبة فهم اللغة العبرية التى يجيدها اجادة تامة تتيح له التحدث بها وقراءتها وحتى التفكير بحروفها وكلماتها وحملها الطويلة..

و بعد شهر بدا اشبه بدهر كامل انتهى الشاب من دروس العبرية وحصل على شهادة فيها بدرجة جيد ثم سافر الى ( القدس) بحثا عن عمل مجز بعد ان انتهى قرضه او كاد..

وفى ( القدس ) كان الشاب اسعد حظا اذ حصل على وظيفة كتابية

فى مستشفى (اتنيم) صار يقضى فيه يومه كله..

ومصطلح ( يومه كله ) هذا لا يحمل ادنى مبالغة اذ ان الشاب لم يكن يمتلك من راتبه وبقايا القرض مايكفى لاستئجار مسكن بسيط لذا فقد كان يقضى نهاره كله فى العمل وليله كله مستلقيا فوق مقعدين باليين فى مطبخ المستشفى..

ولقد اثار هذا شفقة طبيب امريكى يدعى مورتن فيكسبرت كان قد باع منزله فى نيويورك وهاجر الى اسرائيل مبهورا بالدعايه اليهودية ثم لم يجد امامة سوى وظيفة بسيطة فى ذلك المستشفى المتواضع..

ولأن (مورتن)هذا كان يشعر بمعاناة المهاجرين الجدد فقد تأثر بموقف الشاب ودعاه للاقامة في حجرة صغيرة ملحقة بجراج منزله الكائن في 13 شارع (احاد ها عام) وسط حي (تليبيا) ولقد قدر (موشي) هذه الخدمة جيدا وارتبط بعلاقة صداقة مع (مورتن)..

ولكن الصداقة لم تدم طويلا إذ سرعان ماسئم (مورتن) هذا النمط من الحياة واتخذ قراره بالعودة الي (نيويورك)وبدء حياته من جديد هناك بعد أن يئس من تحقيق أي نجاح يذكر في أرض الميعاد...

وبعد رحيل (مورتن) انتقل الشاب الي (تل أبيب) سعيا وراء فرصة عمل أفضل وهناك كانت وسامته المفرطة هي جواز مروره إلي قلب عجوز شمطاء تمتلك دار للنشر وتدعي

(شوشانا بيرسولتز) فالحقته بالعمل لديها كاتبا للحسابات لقاء راتب معقول وهي تتطلع أكثر ما تتطلع إلي وسامته وملامحه وقامته الممشوقة...

وقبل مرور شهر واحد علي عمله في دار (أومانوت) المحدودة للنشر كانت (شوشانا) قد قررت كسر كل الحواجز والإعلان عن مقصدها مباشرة كما تملي عليها طبيعتها السوفيتية الأوكرانية الجافة...

وفي نهاية عام 1970وجد الشاب نفسه مدعوا للانتقال إلي منزل (شوشانا) والإقامة فيه بصفة دائمة....

وقد كان.....

والمضحك ان الشاب قد اعتبر علاقته بتلك العجوز نوعا من التضحية التي تقتضيها مهمته في قلب العدو وتحتمها طبيعة الشخصية التي يقتمصها....

ولكن الأمر لم يقتصر علي (شوشانا) التي بلغ نهمها للحب حدا ضاق به الشاب وكرهه إذ لم تلبث ملاحته ووسامته أن جذبت إليه صيدا جديدا....

وكانت عجوزا متصابية أيضا إلا أنها كانت علي قدر من الجمال جعلها تبدو أشبه بالإلهة(فينوس) نفسها مقارنة بالشمطاء (شوشانا)...

ولقد لمحت تلك الجديدة (سوناتا فيرد) الشاب وهو يضرب علي الالة الكاتبة وبهرتها وسامته فاتجهت إليه في دلال وانحنت تسدل شعرها الأشقر الناعم علي وجهه وتدفع رائحتها العطرة في أنفه وعروقه و أعصابه بحجة متابعة ما يكتب واختبار براعته في الضرب علي الاله الكاتبة...



وشعر الشاب بالكثير من القلق هذه المرة فتلك المرأة (سوناتا) لم تكن امرأه عادية فهي زوجة الدكتور(لينتال) رجل المجتمع الشهير ثم إنها - وإالي جوار هذا -عضو بارز في (الكنيست الإسرائيلي) ....



ولكن (سوناتا) نفسها لم تبال بهذا لقد وقعت أسيرة سحر الشاب وخفق له قلبها ولم يعد باستطاعتها مقاومة مشاعرها نحوه لذا فقد واصلت زيارة دار النشر وراحت تتقرب من الشاب أكثر وأكثر بحجة زيارة صديقتها (شوشانا)....

ولكن حقيقة الأمر لم تخف علي عاشقة محنكة مثل (شوشانا ) التي أدركت علي الفور أن صديقتها تسعي خلف فتاها فاندفعت تدافع عنه وتقاتل لاستعادته ولكنها انتبهت فجأة إلي أنها قد تحركت بعد الأوان وأن (موشي) و (سوناتا) صارا عشيقين بالفعل....

وثارت (شوشانا) وهاجت وأرغت وأزبدت كما يقولون في الروايات القديمة وصرخت في وجه (موشي) ولكنه صفعها علي وجهها في صرامة ولملم أوراقه ليغادر دار النشر قبل أن تطرده هي في غضب وثورة لا مثيل لهما.

ولم يبال الشاب كثيرا بما حدث وواصل علاقته بصديقته الجديدة التي ثار زوجها الدكتور(لينتال) ثورة عارمة إثر الفضيحة التي أثارتها (شوشانا) وطالبها بترك(تل أبيب) والعودة معه إلي (الكيبوتز) الذي كانا يعيشان فيه إلا أنها رفضت هذا الأمر تماما وتصدت لثورة زوجها في صرامة عجيبة تعود إلي أصلها البافاري الألماني ثم لم تلبث أن اتخذت خطوة أكثر جرأة وتهورا فراحت تلتقي بالشاب في أماكن عامة وتصطحبه إلي كل حفل تدعي إليه كما لو أنها تعلن للعالم أجمع كونها عشيقة دون أدني إحساس بالحياء أو الخجل ....

وكانت فرصة مثالية للشاب للإختلاط بعلية القوم ونجوم المجتمع الإسرائيلي والتوغل في أعماق ساسته ومسئوليه....

وتفتحت شهيته بشدة لجمع المعلومات وإرسالها إلي (القاهرة) إلا أنه تذكر جيدا ذلك الأمر الصارم الذي وجهه إليه رؤساؤه في (القاهرة) قبل أن تبدأ مهمته....

لا بنبغي أن يتحرك أو ينشط إلا إذا تلقي أمرا مباشرا بهذا....

مهما كانت خطورة ما يراه أمامه....

ومهما بلغت سرية ما لديه من معلومات....

هذا لأن (عمرو طلبه) كان من ذلك الطراز من الجواسيس الذي يطلق عليه اسم (الجاسوس النائم) وهو جاسوس خاص يتم زرعه في أحد مواقع العدو بحيث يتدرج فيه علي نحو طبيعي دون أن يثير أية شبهات أو اهتمامات حتي إذا بلغ الموقع المناسب أو حانت اللحظة المنشودة يتم إيقاظه وتنشيطه للحصول علي أفضل نتائج ممكنة من شخص لم يعد موضع شبهات علي الإطلاق....

لذا كان علي الشاب أن يكتفي بعلاقته بنائبة (الكنيست) دون أن يبدي أدني اهتمام بما يحدث حوله أويسعي للحصول علي أية معلومات مهما كانت قوتها...

ولكن هذا الحال لم يدم إلي الأبد فسرعان ما تلقي (موشي زكي رافي) خطاب التجنيد الإجباري كأي مهاجر جديد طبقا لقانون الهجرة الإسرائيلي....

ولم يعارض الشاب الأمر وإن طلب من صديقته أن تتوسط له لدي بعض أصحاب النفوذ من أصدقائها حتي يلتحق بوحدة عسكرية قريبة وألا يتم إرساله إلي خطوط المواجهة حيث القلق والخوف والخطر...

ولم تكن (سوناتا) بحاجة لهذه التوصية إذ إنها لم تكن لتحتمل غياب الشاب عنها يوما واحدا ولهذا فقد سعت لدي صديقها الواسع النفوذ (اّل) والذي استغل اتصالاته وأبقي الشاب داخل (تل أبيب) حيث تم إلحاقه بإدارة البريد العسكرية...
وكان هذا أكثر بكثير مما يمكن أن يحلم به (موشي)....
ولقد برع كثيرا في وظيفته هذه دون أن يحاول استغلال موقعه أو جمع أية معلومات مهما كانت الظروف...

واجتاز الشاب هذا الاختبار الجديد أيضا بنجاح وحظي بإعجاب رءسائه الإسرائيلين واحترامهم و....ثقتهم..وهذا هو المهم...

وعندما انتهت فترة التجنيد الإجبارية وكان الشاب بلا وظيفة معروفة فقد رحب بالانضمام إلي قوات الجيش العاملة والبقاء في نفس منصبه في إدارة البريد.....
وعندئذ...عندئذ فقط وصلته تلك الرسالة من (أثينا)...
رسالة بريئة المظهر والمضمون مكتوبة بالحبر العادي وبدون استخدام أية أحبار سرية معروفة أو مستحدثة يوحي كل ما فيها بأن مرسلها شاب يوناني ارتبط به (موشي) بصداقة وثيقة في أثنيا و قبل وصوله كمهاجر إلي (إسرائيل)...

كل ما في الأمر أن الرسالة قد انتهت بعبارة تقليدية تقول <<صديقك إلي الأبد (يورغو)>>...

وكانت هذه هي كلمة السر المتفق عليها ...وعود الثقاب الذي أشعل فتيل الجاسوس النائم...وأيقظه.....ولا أحد يمكنه أن يتصور مدي انتعاش الشاب عندما تلقي تلك الرسالة التي انتظرها كثيرا وطويلا ولا كيف تفجر فيض من النشاط بعدها في عروقه فاندفع يجمع ويلتقط كل ما يقع تحت يديه من معلومات في نهم شديد في إنتظار إرساله إلي (القاهرة)...

وفي الربع الأخير من عام 1972 تلقي الشاب هدية أنيقة من صديقه اليوناني (يورغو) في عيد مولده وهي عبارة عن علبة أدوات حلاقة أنيقة تحوي داخلها بعض الشفرات الجديدة وماكينة حلاقة تحمل بحروف أنيقة اسم (موشي رافي).....

وفي حجرته الخاصة وفي أثناء غياب (سوناتا) قام الشاب المدرب بفك أجزاء أدوات الحلاقة وإعادة جمعها علي نحو خاص حتي تكون لديه جهاز استقبال وإرسال دقيق ثم لم يلبث أن استعان بعدسة قوية لنقل الشفرة المحفورة بدقة بالغة علي حافة الأمواس....

وبدأت ( القاهرة) تتلقي سيلا من المعلومات علي نحو جعلها تطلب من الشاب التريث قليلا حتي لا ينكشف أمره....ولكن المهم أن رجال المخابرات المصرية صاروا علي اطلاع تام بكل ما يتم تبادله عبر البريد العسكري مهما كانت درجة سريته عبر إدارات ووحدات الجيش الإسرائيلي...

ولكن فجأة ودون سابق إنذار وصل الشاب أمر صارم أدهشه بشدة....لقد أمره رؤساؤه بإثارة غضب (سوناتا)..وبأعنف وسيلة ممكنة....ولم يكن هذا بإلامر العسير وكعادته لم يسأل الشاب الرؤساء عن سبب هذا الأمر وإنما انتقي سمراء فاتنة وغزل خيوطه حولها ثم لم يلبث أن اصطحبها إلي منزل (سوناتا) وفي فترة عودة هذه الأخيرة بالتحديد....

وعادت عضو (الكنيست) إلي منزلها لتجد صديقها في فراشها مع تلك السمراء الفاتنة....وجاء دور (سوناتا) لتثور وتصرخ وتغضب....وكما فعل الشاب مع (شوشانا) من قبل صفع (سوناتا) علي وجهها ثم اصطحب رفيقته الجديدة وغادر المنزل كله.....

و إنهارت الإسرائيلية بعض الوقت ثم لم تلبث روح الغضب والثورة في أعماقها أن تحولت إلي رغبة عارمة في الانتقام فأسرعت إلي صديقها (اّل) ذي النفوذ وطلبت منه أن ينقل الشاب الجاحد من (تل أبيب) إلي أقرب نقطة لخط المواجهة...

وهكذا وقبل مضي أسبوع واحد كان الشاب قد انتقل من إدارة البريد المركزية ليعمل كرقيب للبريد العسكري في مركز العمليات في (أم مرجم)...

وكان هذا بالضبط ما تسعي إليه المخابرات المصرية....أن يتم نقل جاسوسها رقم ألف وواحد إلي خطوط الأمامية للعدو الإسرائيلي مباشرة...ومن موقعه الجديد هذا راح الشاب يجمع كل ما يمكنه من معلومات بالغة الأهمية والخطورة عن الجبهة الإسرائيلية...

تحركات القوات...خطوط الدفاع....وأماكن الأسلحة....تنظيمات القتال...ومناطق تمركز المدرعات والمدفعية....مصادر التموين...مواضع الوحدات ومراكز القيادة..أسماء الضباط والجنود...كل شئ.....

وعبر الأثير راحت رسائله اللاسلكية المشفرة تنتقل إلي (القاهرة) حاملة فيضا لا ينقطع من المعلومات علي نحو احتاج إلي إدارة كاملة لتنسيقه ومتابعته وتحليله....

كان من الواضح أن الشاب شغوف للغاية بموقعه الجديد وأنه شديد الحماس لعمله إلي حد لم يعد فيه مكان للخوف أو القلق...

والعجيب أنه ظل وحتي اندلاع الحرب مصدر ثقة كل من عملوا إلي جواره من ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي بل وكان الوحيد المسموح له بفحص وتأمين الخطابات الواردة أو الصادرة من وإلي القيادة العامة في (تل أبيب)....

ومع المعلومات الواردة راح الرجال في (القاهرة) يعيدون دراسة خرائط الجبهة وتقييم الموقف الأمني والعسكري هناك وتم تعديل بعض الخطوط وتطوير البعض الاخر ووضع علامات جديدة في بعض الأماكن.....ومضت الأيام في سرعة...
واقتربت ساعة الصفر ..ساعة المعركة..



في تمام الثانية إلا عشر دقائق بعد ظهر السبت السادس من أكتوبر 1973 صدر الأمر بإنهاء مهمة الجاسوس رقم ألف وواحد قبل أن تبدأ حرب التحرير الشاملة....
وفي الثانية إلا خمس دقائق بالضبط تلقي (عمرو طلبة) أمرا مباشرا من القيادة في (القاهرة) بالتوجه إلي المبني الخشبي الذي تحتله النقطة الطبية في (أم مرجم) والمقام علي تبة متوسطة الارتفاع علي مسافة مائتي متر من غرفة العمليات التي كانت الهدف الأول لغارات الطيران عندما اندلعت الحرب....

وفي الوقت ذاته تلقي كل طياري الضربة الجوية الأولي الذين سيحلقون فوق تلك المنطقة أمرا حازما بعدم قصف النقطة الطبية في ذلك الموقع مهما كانت الأسباب...

وعندما استقبل الشاب هذا الأمر أدرك علي الفور أن الحرب وشيكة وأنه لن تمضي دقائق معدودة حتي تهوي القذائف المصرية علي غرفة العمليات الإسرائيلية كالمطر....

وعلي الرغم من هذا فلقد خالف الشاب الأوامر لأول مرة في حياته ورفض مغادرة موقعه إيمانا منه بأنه يستطيع تقديم خدمة ممتازة للقوات المصرية بتوجيه الضربات عبر اللاسلكي من مكانه هذا....

وفي الثانية بالضبط بدأت الضربة الجوية الأولي وقفز حماس الشاب ونشاطه إلي أوجهما حتي أنه ارتكب خطأ عجيبا وتجاهل الشفرة تماما وراح يرسل برقياته علي نحو واضح ومباشر وكأنما أدرك أنه لم يعد هناك مبرر للتواري وقد اشتل الموقف بالفعل....

وفي مركز القيادة في المخابرات المصرية فوجئ الرجال ببرقية عاجلة مباشرة من الجاسوس رقم ألف وواحد تحمل تقريرا عن نتائج قصف غرفة العمليات الإسرائيلية وكان هذا في الثانية والنصف وخمس دقائق...

وطلب الرجال من (عمرو) مغادرة موقعه بأقصي سرعة إلا أنه لم يلبث أن أرسل برقية عاجلة أخري يقول فيها إن فرقته تلقت أمرا بالانتقال إلي المواقع الأمامية فأبرقت إليه إدارة الجاسوسية تطلب منه تحديد مسار القافلة وأتاها الرد بأن القافلة تتجه نحو القنطرة شرق وأنه سيرسل المزيد من المعلومات فيما بعد ثم أعطي صورة دقيقة للقتال وصوت القنابل ودوي الإنفجارات يغطي معظم مقاطع صوته الذي امتلأ باللهفة والحماس علي نحو فاق كل المرات السابقة...
وبعدها انقطع الإرسال تماما وتوقفت برقيات (عمرو)..
وانطلق النداء عبر الأثير <<أجب يا ألف وواحد....أجب>>
ولكن الجاسوس رقم ألف وواحد لم يلب النداء قط...

هذا لأن دماءه الطاهرة كانت تروي رمال (سيناء) الحرة معلنة النهاية الفعلية لواحدة من أكبر عمليات الجاسوسية في مرحلة الإعداد لحرب أكتوبر ونهاية واحد من أبرع وأفضل الجواسيس الذين عرفتهم(مصر)...

الجاسوس رقم ألف وواحد.

هناك تعليق واحد: