الأحد، 16 أغسطس 2009

شبهـة النسيـان _أحلام مستغانمي


إذا كان الحب يملك شفيعاً وقديساً، فالنسيان يحتاج إلى آلهة.…

تكتبين روايات وقصائد في الحب، ولا يسألك أحد في من كتبتِها، ولا هل يحتاج المرء حقاً كلّ مرّة أن يحبّ، ليكتب عن الحب. (لو كان نزار حياً لأضحكه السؤال. فالشاعر العربي الذي كتب خسمين ديواناً في الحب، لم يحب سوى مرات معدودة في حياته) ذلك أن ذكرى الحب أقوى أثراً من الحب. لذا، يتغذى الأدب من الذاكرة لا من الحاضر.

لكنك تقولين إنك تكتبين كتاباً عن النسيان، ويصبح السؤال: «من تريدين أن تنسي»؟

لكأن النسيان شبهة تفوق شبهة الحب نفسه. فالحب سعادة. أما السعي إلى النسيان فاعتراف ضمني بالانكسار والبؤس العاطفي. وهي أحاسيس تثير فضول الآخرين أكثر من خبر سعادتك.

مذ أعلنت قُرب صدور كتاب لي عن النسيان، وقعت على اكتشاف كبير: إنّ المتحمّسين لقراءة «وصفات لنسيان رجل» أكثر من المعنيّين بكتاب عن الحب.

النساء والرجال من حولي يريدون الكتاب نفسه. أوضّح للرجال: «ولكنه ليس كتاباً لكم»..

فيردّون: «لا يهم، في جميع الحالات نريده»!كلُّ من خلتهم سعداء انفضحوا بحماستهم للانخراط في حزب النسيان. ألهذا الحدّ كبيرٌ حجم البؤس العاطفي في العالم العربي؟لا أحد يعلن عن نفسه.

الكل يخفي خلف قناعه جرحاً ما، خيبة ما، طعنة ما، ينتظر أن يطمئن إليك ليرفع قناعه ويعترف: ما استطعت أن أنسى!

أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان، المناضلة من أجل التحرّر من استعباد الذاكرة العشقية، أتوقع أن يتجاوز هذا الكتاب أهدافه العاطفية إلى طموحات سياسية مشروعة.

فقد صار ضرورياً تأسيس حزب عربي للنسيان.

سيكون حتماً أكبر حزب قومي. فلا شرط للمنخرطين فيه، سوى توقهم للشفاء من خيبات عاطفية.أراهن أن يجد هذا الحزب دعماً من الحكام العرب، لأنهم سيتوقعون أن ننسى من جملة ما ننسى، منذ متى وبعضهم يحكمنا.

دعوهم يعتقدوا أننا سنسى ذلك.

إذ إننا نحتاج إلى أن نستعيد عافيتنا العاطفية كأمة عربية، عانت دوماً قصص حبها الفاشلة، بما في ذلك حبها لأوطان لم تبادلها دائماً الحب. حينها فقط، عندما نشفى من هشاشتنا العاطفية المزمنة، بسبب تاريخ طاعن في الخيبات الوجدانية، يمكننا مواجهتهم بما يليق بالمعركة من صلابة وصرامة.

ذلك أنه ما كان في إمكانهم الاستقواء علينا، لولا أن الخراب في أعماقنا أضعفنا.

ولأن قصص الحب الفاشلة أرّقتنا وأنهكتنا، والوضع في تفاقم.. بسبب الفضائيات الهابطة، التي وُجِدَت كي تشغلنا عن القضايا الكبرى، وتُسوّق لنا الحبّ الرخيص والعواطف البائسة، فتبقينا على ما نحن عليه من بكاء الحبيب المستبد.. ونسيان أنواع الاستبداد الأخرى.…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق