الاثنين، 26 يناير 2009

تأمُّلات مُتأخِّرة.. في الحبّ احلام مستغانمي



سأظلُّ أطالب بإغلاق معسكرات الاعتقال العاطفـيِّ، التي يقبع في زنزانتها عشّاق سُذّج، تصوّروا الحياة العاطفيّة بثوابت أزليّة، وذهبوا ضحيّة هَوَسِهِم بعبارة "إلى الأبــــد"، معتقدين أنّ كلَّ حُبٍّ هو الْحُبُّ الكبير والأخير، فوقعوا في براثن حبٍّ مُسيَّج بالغيرة وأسلاك الشكوك الشائكة، ومُفخّخ بأجهزة الإنذار ونقاط التفتيش، غير مُدركين أنّ الحُبّ، على الرغم من كونه امتهاناً للعبوديّــة، هو تمرين يوميّ على الحرّية، أي على قدرتنا على الاستغناء عن الآخر، حتى لو اقتضى الأمر بقاءنا أحياناً عاطلين عن الحبّ.

نزار قبّاني الذي قال في الحب الشيء وعكسه، لفرط ما عاش تطرّف الحبّ وتقلّباته، كتب يقول: "أريد أنْ أظلّ دائماً نحلة تلحس العسل عن أصابع قدميك، حتى لا أبقى عاطلاً عن العمل!". ثمَّة عشّاق لا أمل في إنقاذهم من العبوديّة. إنهم يصرُّون على العمل خَدَمَاً لدى مولاهم الحبّ، على الرغم من كونه طاعناً في التنكيل بِخَدَمِهِ!


هو الْحُــبّ..

وماركيز ينصحك: "لا تمت من دون أن تُجرِّب جَمَال حمل عبئه". تضحك، هو لا يدري أنّ حمولتك تلك، قصمت ظهر أيامك• في البدء، يحملك الحبُّ لفرط خفّتك، ولا أحد آنذاك يُنبِّهك بأن عليك أن تحمله بعد ذلك بقيّة عمرك.. في البدء، أنت فراشة.. كائن من غبار وطيش، تحملك بهجتك، ثمّ تنتهي دابّة تنوء بحمل خيباتها. يا حمّال الأسيّة "خُذ من الحب ما تشاء، وخذ بقدره من عذاب"، نصيحة من "عتّال عاطفيّ" أقعدته الذكريات!

*** *

الفرح ثرثار. أمّا الحزن فلا تستطيع أن تقيم معه حواراً. إنه منغلق على نفسه كمحار. بلى.. في إمكانك إغاظة الحزن بالفرح. تكلّم ولو مع ورقة.

*** *

كلّما رأيت من حولي نساءً في كامل انتظارهنّ، يشكون البطالة العاطفيّة، ورجالاً أعياهم الترقُّب لبرق ينذر بصاعقة عشقيّة، وقصّة حب "أبديّة"، حضرني قول جون كيندي: "لا تسأل ماذا يمكن لوطنك أن يفعل لك، بل ماذا عليك أن تفعل من أجله". بالمنطق نفسه، على العاطلين عن الحبّ أن يسألوا ماذا عليهم أن يفعلوا من أجل الفوز به. فلا يمكن طلب الحب بالتكلفة الأقل. الحب إغداق، إنه يحتاج إلى سخاء عاطفيٍّ يتجاوز قدرة الناس العاديين على الإنفاق. لذا، الحبُّ فضّاح لِمَن دونه، لأنّه يُعرِّي البخلاء، حتى الذين يعتقدون أنهم أعطوا.. لمجرّد أنهم أنفقوا عليه!

*** *

غادِر بيتك كل صباح، وكأنك على موعد مع الحب. تهيأ له بما أُوتيت من أناقة• يحلو للحب أن يُباغتك في اللحظة التي تتوقّعها الأقل: "وجدتها في وقت لم أُنادِها فيه فوق محطّة لم أنتظرها عليها في لحظة لم أتهيأ لقدومها في مكان لم أبحث فيه عنها في مساء لم أُعطِّره لاستقبالها في بقعة أرض لم تكن مهيأة لها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق